تقدم معنا في المبحثين الماضيين الإشارة إلى أهمية هذا المبحث، وتقدم أيضاً أن الإتيان بتوحيدي الربوبية والأسماء والصفات لا يكفي ولا ينجي بل لا بد من الإتيان مع ذلك بتوحيد الألوهية؛ وذلك لأن هذا النوع من التوحيد يعد أهم المطالب على الإطلاق، إذ من أجل تحقيقه خلق الله الخلق، وأنزل الكتب، وأرسل الرسل، كما سيأتي بيان ذلك.
وهذا ما جعل علماء الإسلام من السلف الصالح الذين هم ورثة الأنبياء، يهتمون بهذا النوع اهتماماً كبيراً، فبينوه وحذروا من الوقوع في ضده وأكثروا في ذلك التأليف والكتابة.
وقد اعتنى الشيخ ابن سعدي في مؤلفاته بهذا النوع من التوحيد عناية بالغة وأولاه اهتماماً كبيراً، فلقد لمست من خلال قراءتي لكتبه اهتمامه البالغ به، فهو في أكثر مؤلفاته يتحدث عن هذا التوحيد، ويحذر من الوقوع في مخالفته، ويبدي ويعيد في ذلك بعبارات متنوعة وأساليب مختلفة.
ولا ريب أن هذا النوع من التوحيد جدير بالعناية والاهتمام، بل هو أهم الأمور التي يجب العناية والاهتمام بها.
ولهذا فقد أشار رحمه الله في مواطن متعددة من مؤلفاته إلى أهميته، وأنه الغاية من خلق الإنس والجن، وأن الإيمان به يوصل إلى كل خير وصلاح.
قال: "وهذا الأصل أعظم الأصول على الإطلاق وأكملها وأفضلها وأوجبها وألزمها لصلاح الإنسانية، وهو الذي خلق الله الجن والإنس لأجله وخلق المخلوقات. وشرع الشرائع لقيامه وبوجوده يكون الصلاح وبفقده يكون الشر والفساد، وجميع الآيات القرآنية إما أمر به أو بحق من حقوقه أو نهي عن ضده، أو إقامة حجة عليه، أو بيان جزاء أهله في الدنيا والآخرة، أو بيان الفرق بينهم وبين المشركين.