للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

من المخلوقات ولا يستحقها إلا الله تعالى. فإذا عرف ذلك واعترف به حقاً أفرده بالعبادة كلها الظاهرة والباطنة فيقوم بشرائع الإسلام الظاهرة كالصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبر الوالدين وصلة الأرحام والقيام بحقوق الله وحقوق خلقه، ويقوم بأصول الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، ويقوم بحقائق الإحسان وروح الأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة مخلصاً ذلك كله لله، لا يقصد به غرضاً من الأغراض غير رضا ربه وطلب ثوابه، متابعاً في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فعقيدته ما دل عليه الكتاب والسنة. وأعماله وأفعاله ما شرعه الله ورسوله.

وأخلاقه وآدابه الاقتداء بنبيه صلى الله عليه وسلم في هديه وسمته وكل أحواله؛ ولهذا فإن كمال هذا التوحيد وقوامه بثلاثة أشياء:

ـ (توحيد الإخلاص لله وحده) فلا يكون للعبد مراد غير مراد واحد وهو العمل لله وحده.

ـ (وتوحيد الصدق) وهو توحيد إرادة العبد في إرادته وقوة إنابته لربه وكمال عبوديته.

ـ (وتوحيد الطريق) وهو المتابعة.

.....فمن اجتمعت له هذه الثلاثة نال كل كمال وسعادة وفلاح ولا ينقص من كمال العبد إلا بنقص واحد من هذه الأشياء"١.

أدلة هذا النوع من التوحيد:

تقدم معنا أن هذا التوحيد هو المقصود من إنزال الكتب وإرسال الرسل؛ فلذا كانت الأدلة عليه في الكتاب والسنة كثيرة، لأنه كلما كان الأمر مهما كلما كثر إيضاحه وبيانه والحث على العمل به.

ولقد تضافرت الأدلة في الكتاب والسنة على وجوب إفراد الله بالعبادة بجميع أنواعها، وتنوعت فتارة تأتي النصوص لبيان أن هذا الأمر هو المقصود من خلق الإنس والجن، وتارة تأتي لبيان أنه المقصود من إرسال الرسل وإنزال الكتب، وتارة تأتي للأمر به، والحث عليه، والتحذير من مخالفته، وتارة تأتي لبيان ثواب من عمل به وعقاب من تركه، وعلى هذا فإن النصوص الواردة في الكتاب والسنة جميعها لا تخلو من ذكر هذا النوع أو الإشارة إليه.

سأورد الآن جملة من الآيات القرآنية الدالة على ذلك. ثم أذكر كلام ابن سعدي عنها إجمالا:


١ الحق الواضح المبين /٥٨، وانظر الفتاوى السعدية /٨، ٩، والقول السديد /١٦،١٧.

<<  <   >  >>