للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وقال رحمه الله: "العبادة روحها وحقيقتها تحقيق الحب والخضوع لله فالحب التام والخضوع الكامل لله هو حقيقة العبادة، فمتى خلت العبادة من هذين الأمرين أو من أحدهما فليست عبادة، فإن حقيقتها الذل والانكسار لله ولا يكون ذلك إلا مع محبته المحبة التامة تتبعها المحاب كلها"١.

وقال: "العبادة والعبودية لله: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من العقائد وأعمال القلوب وأعمال الجوارح، فكل ما يقرب إلى الله من الأفعال والتروك فهو عبادة؛

ولهذا كان تارك المعصية لله متعبدا متقرباً إلى ربه بذلك"٢.

وقول ابن سعدي إن تارك المعصية إذا تركها لأجل الله صار متعبداً لله بها تشهد له نصوص كثيرة.

ومنها حديث ابن عباس قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله كتب الحسنات والسئيات ثم بين ذلك، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة وإن هم بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وإن هم بسئية فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة"٣.

ومنها حديث الثلاثة الذين أووا إلى غار في الجبل فانطبقت عليهم صخرة وسدت فم الغار. فأخذ كل واحد منهم يتوسل إلى الله بأعماله الصالحة فقال أحدهم: "اللهم إنه كانت لي ابنة عم أحببتها كأشد ما يحب الرجل النساء وطلبت منها نفسها فأبت حتى آتيها بمائة دينار، فتعبت حتى جمعت مائة دينار. فجئتها بها. فلما وقعت بين رجليها قالت يا عبد الله اتق الله ولا تفتح الخاتم إلا بحقه. فقمت عنها، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا منها فرجة. ففرج لهم.....الحديث"٤.

وهذه نعمة عظيمة ومنّة جسيمة من الله على خلقه، فترك المعصية لأجل الله عبادة ويثاب عليها صاحبها، فلله الحمد والشكر.

بيان وتوضيحه أن العبادة لا تقبل إلا بشرطين هما الإخلاص والمتابعة:-

هذا وإن العبادة أياً كان نوعها وأياً كانت صفتها لا تقبل من فاعلها إلا إذا توفر فيها شرطان.


١ الحق الواضح المبين /٥٩، ٦٠.
٢ الخلاصة /٢٠١.
٣ أخرجه البخاري ٧/١٨٧، ومسلم ١/١١٨.
٤ جزء من حديث أخرجه البخاري ٧/٦٩، ومسلم ٤/٢٠٩٩، عن أنس بن مالك.

<<  <   >  >>