للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الفصل الثاني: الإيمان بالنبوات

إن الرابطة بين هذا الفصل وبي الذي قبله وثيقة جداً، إذ أن الفصل الأول في الحديث عن معرفة الله ووجوب إفراده بالعبادة والحذر من الشرك والبدع.

وهذا لا يكون ولا يحصل إلا بإرسال هداة للناس يبينون لهم هذا الأمر العظيم ويوضحونه لهم ويرشدونهم إليه.

"ومن هنا تعلم اضطرار العباد فوق كل ضرورة إلى معرفة الرسول وما جاء به وتصديقه فيما أخبر به، وطاعته فيما أمر، فإنه لا سبيل إلى السعادة والفلاح في الدنيا ولا في الآخرة إلا على أيد الرسل، ولا سبيل إلى معرفة الطيب من الخبيث على التفصيل إلا من جهتهم، ولا ينال رضى الله البتة إلا على أيديهم، فالطيب من الأعمال والأقوال والأخلاق ليس إلا هديهم وما جاءوا به، فهم الميزان الراجح الذي على أقوالهم وأعمالهم وأخلاقهم، توزن الأقوال والأخلاق والأعمال.

وبمتابعتهم يتميز أهل الهدى من أهل الضلال فالضرورة إليهم أعظم من ضرورة البدن إلى روحه والعين إلى نورها والروح إلى حياتها.

فأي ضرورة وحاجة فرضت، فضرورة العبد وحاجته إلى الرسل فوقها بكثير وما ظنك بمن إذا غاب عنك هديُه وما جاء به طرفة عين فسد قلبك وصار كالحوت إذا فارق الماء ووضع في المقلاة، فحال العبد عند مفارقة قلبه لما جاء به الرسل كهذه الحال، بل أعظم، ولكن لا يحس بهذا إلا قلب حي، "وما لجرح بميت إيلام١"٢.

وهذا يبين لنا أهمية الإيمان بالأنبياء، وشدة الحاجة إليهم إذ أن السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة لا يحصل إلا عن طريقهم وبإرشادهم وهدايتهم.


١ عجز بيت للمتنبي وأوله: من يهن يسهل الهوان عليه. من قصيدة يمدح بها أبا الحسن علي بن أحمد المري. ديوان المتنبي /١٦٤ ط دار بيروت.
٢ زاد المعاد لابن القيم ١/٦٩.

<<  <   >  >>