للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ويعلم ما تنقص الأرض من أجساد الأموات وما يبقى ويعلم الغيب والشهادة فإذا أقر العبد بهذا العلم العظيم علم أنه أعظم وأجل من إحياء الله الموتى من قبورهم.

ثم ذكر دليلاً ثالثاً فقال: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ} فإذا أخرج النار اليابسة من الشجر الأخضر الذي هو غاية الرطوبة مع تضادهما وشدة تخالفهما، فإخراجه الموتى من قبورهم مثل ذلك.

ثم ذكر دليلاً رابعاً فقال: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} أي: أن يعيدهم بأعيانهم {بَلَى} قادر على ذلك فإن خلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس.

{وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ} وهذا دليل خامس فإنه تعالى الخلاف الذي جميع المخلوقات متقدمها ومتأخرها صغيرها وكبيرها كلها أثر من آثار خلقه وقدرته وأنه لا يستعصى عليه مخلوق أراد خلقه فإعادته للأموات فرد من أفراد آثار خلقه ولهذا قال:

{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً} نكرة في سياق الشرط فتعم كل شيء {أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} أي في الحال من غير تمانع.

{فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} وهذا دليل سادس، فإنه تعالى هو الملك المالك لكل شيء الذي جميع ما سكن في العالم العلوي والسفلي ملك له وعبيد مسخرون مدبرون يتصرف فيهم بأقداره الحكمية وأحكامه الشرعية وأحكامه الجزئية، فإعادته إياهم بعد موتهم لينفذ فيهم حكم الجزاء من تمام ملكه {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} من غير امتراء ولا شك لتواتر البراهين القاطعة والأدلة الساطعة على ذلك فتبارك الذي جعل في كلامه الهدى والشفاء والنور"١. أ. هـ.

ثم إن الناس بعد المعاد والنشور يواجهون أهوالاً عظيمة وشدائد مخيفة، ينقسم الناس بعدها إلى قسمين أو فريقين فريق في الجنة وفريق في السعير.

وهذا ما سيدور عليه حديثنا في المبحث التالي:


١ التفسير ٦/٦٣، ٣٦٤، ٣٦٥.

<<  <   >  >>