للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ومن ذلك: ما أرى الله عباده من إحيائه الأموات في الدنيا كما ذكر الله عن صاحب البقرة والألوف من بني إسرائيل، والذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها، وقصة إبراهيم الخليل والطيور وإحياء عيسى ابن مريم للأموات وغيرها مما أراه الله عباده في هذه الدار؛ ليعلموا أنه قوي ذو اقتدار، وأن العباد لا بد أن يردوا دار القرار، إما الجنة أو النار.

وهذه المعاني أبداها الله وأعادها في محال كثيرة. والله أعلم"١.

وقد جمع الله أكثر هذه الأساليب المتنوعة في أواخر سورة "يس" حيث قال سبحانه:

{أَوَلَمْ يَرَ الْأِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ. وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ. قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ. الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ. أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ. إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ. فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} ٢.

فهذه الآيات جمع الله فيها أدلة كثيرة على المعاد، وفيها أبلغ رد على من ينكره.

قال ابن سعدي عند تفسيره لها: "وهذه الآيات الكريمات فيها ذكر شبهة منكري البعث، والجواب عنها بأتم جواب وأحسنه وأوضحه".

ثم ذكر شبهة المنكر للبعث أو الشاك فيه، وهي قوله من يحي العظام وهي رميم حيث قاس قدرة الخالق على المخلوق وهذا الأمر عنده مستبعد على ما يعهد من عادة البشر.

ثم استخلص ابن سعدي من هذه الآيات ستة أدلة فيها أبلغ رد على هذا المنكر٣.

قال: "فأجاب تعالى عن هذا الاستبعاد بجواب شاف كاف فقال: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} وهذا بمجرد تصوره يعلم به علماً يقيناً لا شبهة فيه أن الذي أنشأها أول مرة قادر على الإعادة ثاني مرة، وهو أهون على القدرة إذا تصوره المتصور.

{وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} هذا أيضاً دليل ثان من صفات الله تعالى وهو أن علمه تعالى محيط بجميع مخلوقاته في جميع أحوالها في جميع الأوقات.


١ القواعد الحسان /٢٤، ٢٥.
٢ سورة يس/ الآيات ٧٧-٨٣.
٣ التفسير ٦/٣٦٣.

<<  <   >  >>