للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

يقول ابن سعدي: "وكل مبطل يحتج بآية أو حديث صحيح على قوله الباطل فلا بد أن يكون فيما احتج به حجة عليه"١، ولذلك كان في تفسيره للقرآن إذا مر بآية استدل بها الخوارج والمعتزلة على مذهبم الباطل، بين أن في الآية المستدل بها حجة عليهم لا لهم٢.

ومن أمثلة ذلك استدلالهم بقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} ٣.

قال ابن سعدي: "ويدخل في اسم المعصية الكفر فما دونه من المعاصي، فلا يكون فيها شبهة للخوارج القائلين بكفر أهل المعاصي فإن الله تعالى رتب دخول الجنة على طاعته وطاعة رسوله ورتب دخول النار على معصيته ومعصية رسوله فمن أطاعه طاعة تامة دخل الجنة بلا عذاب، ومن عصى الله ورسوله معصية تامة يدخل فيها الشرك فما دونه دخل النار وخلد فيها.

ومن اجتمع فيه معصية وطاعة كان فيه من موجب الثواب والعقاب بحسب ما فيه من الطاعة والمعصية.

وقد دلت النصوص المتواترة على أن الموحدين الذين معهم طاعة التوحيد غير مخلدين في النار"٤.

ومن أمثلة ذلك أيضاً استدلالهم بقوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} ٥.

قال ابن سعدي: "في هذا أن الربا موجب لدخول النار والخلود فيها، وذلك لشناعته، ما لم يمنع من الخلود مانع الإيمان.

وهذا من جملة الأحكام التي تتوقف على وجود شروطها وانتفاء موانعها وليس فيها


١ التفسير ١/١٠٣.
٢ انظر التفسير ٧/٤٩٥، ٢/٣٦، ٧، ٢٣/١٢٩، ٥/٤٩٦، ١/٣٣٨، ١/١٠٣، والتنبيهات اللطيفة /٥١ وغيرها.
٣ سورة النساء/ الآية ١٤.
٤ التفسير ٢/٣٦، ٣٧.
٥ سورة البقرة/ الآية ٢٧٥.

<<  <   >  >>