للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فهذه الآيات قد اتفق السلف على تأويلها وردها إلى هذا الأصل المجمع عليه بين سلف الأمة.

وأحسن ما يقال فيها أن ذكر الخلود على بعض الذنوب التي دون الشرك والكفر أنها من باب ذكر السبب، وأنها سبب للخلود في النار لشناعتها، وأنها بذاتها توجب الخلود إذا لم يمنع من الخلود مانع.

ومعلوم بالضرورة من دين الإسلام أن الإيمان مانع من الخلود، فتنزل هذه النصوص على الأصل المشهور وهو أنه لا تتم الأحكام إلا بوجود شروطها وأسبابها وانتفاع موانعها، وهذا واضح ولله الحمد مع أن بعض الآيات المذكورة فيها ما يدل على أن الخطيئة المراد بها الكفر، لأن قوله: {وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ} دليل على ذلك، لأن المعاصي التي دون الكفر لا تحيط بصاحبها، بل لا بد أن يكون معه إيمان يمنع من إحاطتها، وكذلك قوله: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا} ١ فالمعصية تطلق على الكفر وعلى الكبائر وعلى الصغائر ومن المعلوم أنه إذا دخل فيها الكفر زال الإشكال"٢.

وبهذا التوفيق الذي ذكره ابن سعدي يزول هذا الإشكال ثم إن القاعدة في الذنوب عند السلف:

أنها إن كانت دون الشرك فهي تحت مشيئة الله إن شاء عذب فاعلها وإن شاء عفا عنه وإن عذبه فإنه لا يخلد في النار.

وأما إن كان في الذنوب إشراك بالله فصاحبها خالد مخلد في نار جهنم، دل على هذه القاعدة العظيمة قوله تعالى:

{إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} ٣.

وهذا آخر الحديث عن الإيمان وما يتعلق به، وبه نهاية الفصل الرابع من الباب الثاني والأخير ...

والحمد لله رب العالمين..


١ سورة النساء/ الآية ١٤.
٢ الخلاصة /١٨٨، وانظر أيضاً التفسير ٢/١٢٩.
٣ سورة النساء/ الآيتان ٤٨، ١١٦.

<<  <   >  >>