للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كان من ثمرة هذا الصراع بين الطائفتين أن سيق إلى المحاكمة أمام قضاة بغداد كل من ذي النون المصري والحلاج وغيرهما، وقد شهد النصف الثاني من القرن الثالث الهجري بداية الصراع بين هاتين الطائفتين واستمر الصراع إلى أن جاء الغزالي (١) وقد استطاع ما يصفه د. مصطفى حلمي بما أوتي من صفاء الروح وجلاء القلب وذكاء العقل وقوة الإيمان أن يهدئ ثورة الفقهاء ويدعو إلى الدين الصحيح ويحبب التصوف إلى نفوس أهل السنة، تكاثر عدد المقبلين منهم عن طريق الذوق الموصل إلى المعرفة اليقينية والسعادة الحقيقية وتلقوا هذا التصوف بقبول حسن وأحلوه محلا رفيعا إبان القرنين الخامس والسادس للهجرة. (٢)

ويشارك د. أبو الوفا التفتازاني د. حلمي نفس الرأي فيقول:" وكان مجيء الإمام الغزالي في رأينا من العوامل الهامة التي غيرت من مجرى التصوف الإسلامي، فقد أرسى الغزالي قواعد التصوف السني. (٣)

جاء بعد الغزالي صوفية مزجوا مسائل الكلام والفلسفة الإلهية بعلمهم وكانت لهم مذاهب في الاتحاد ووحدة الوجود ووحدة الشهود..تجدد العداء ونظر الفقهاء إلى هذا الاتجاه، واعتبروه زندقة وإلحادا ولذا شهد القرن السابع للهجرة وما تلاه من القرون حركة متتابعة من الخصومات بين الفقهاء والصوفية وكانت مذاهب وحدة الوجود والحلول ووحدة الشهود هي المحور الرئيسي الذي دارت حوله هذه الخصومات وقد حمل لواء الطعن على الصوفية وبصفة خاصة على التصوف الفلسفي ابن تيمية فقد جرح ابن عربي وابن الفارض وابن سبعين وعفيف الدين التلمساني وقد بلغت خصومة ابن تيمية مداها حينما أعلن تحريم زيارة الأضرحة والدعاء للأولياء والتوسل بهم، ومنذ ذلك الحين اشتدت الخصومة بين الفقهاء والصوفية واتخذت أشكالا مختلفة على أيدي كثير من الفقهاء وأوضح دليل على ذلك ما حدث حول ابن عربي وابن الفارض من


(١) مع العلم بأن الغزالي لم يفلت من الهجوم الفقهاء والعلماء على تركه منهج الفقهاء وانخراطه في سلك التصوف وتأليفه الكتب الصوفية.
(٢) د. مصطفى حلمي ـ الحياة الروحية في الاسلام ـ ص١١١.
(٣) د. التفتازاني ـ الطرق الصوفية في مصر ـ ص٦٠

<<  <   >  >>