للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأبي رضوان الله عليه فقهاً منه بدينه أن يكفر أحدا بذنب ولو كان في شناعة ذنب معاوية ومن لف لفه. فإذا بأنصار علي المطالبين بإكفار الحكمين ومعاوية يضيفون إلى قائمة الأكفار علياً نفسه ثم سائر الصحابة وكانت فتنة الخوارج ولم يخل مذهب من المذاهب المعتبرة من تسفيه رأيهم وبيان فساده.

ولا تكاد فتنة التكفير أن يطويها مر السنين وتعاقبت القرون حتى تعود من جديد فتطل على المسلمين من خلال ما تبادله من خصوم الوهابية وأنصارها من سهام تكفير بعضهم بعضا وليس من مهمتنا أن نبين أي الفريقين هو المسؤول عن إيقاظ فتنة التكفير إلا بالقدر الذي نستظهر فيه الموقف الفكري لمحمد بن عبد الوهاب من هذه المسألة.

وموقف محمد بن عبد الوهاب واضح مفصل في كتابه"التوحيد"الذي ألفه في مطلع حياته الفكرية لدى وجودة في البصرة، ويعتبر هذا الكتاب بحق مرآة فكرة وترجمان عقيدته واعتقاده وعلى هذا الكتاب توفر سائر اتباعه بالشرح والتعليق وفيه يقول حفيده عبد الرحمن بن حسن: فصنف في البصرة كتاب التوحيد الذي شهد له بفضل تصنيفه القريب والبعيد أخذه من الكتب التي في مدارس البصرة من كتب الحديث. (١)

وأول ما يستدعي الباحث لدي مطالعة كتاب التوحيد أن مؤلفة يعالج قضايا التوحيد في ذاتها بحديث موضوعي يستهدف إضاءة جوانب هذه القضايا وضبط المعايير التي تحكم مفاهيمها وما هو أصيل فيها وما هو دخيل عليها.

وليس في هذا التحديد الموضوعي أية محاولة للحكم علي شخص بعينه أو جماعة بذاتها الأكفار.

ويسترعي انتباه الباحث كذلك أنه عالج قضايا التوحيد بإيراد النصوص الدالة على وجوب عبادة الله تعالى وحده ثم بيان مفهوم العبادة في الاعتقاد والسلوك وتحديد ما يعد من وجوه العبادة فلا يتوجه به إلا لله تعالى، وهو في كل ذلك لم يعد إيراد النص القرآني وما يجري مجراه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يتصل به من فعل الصحابة الدال على فهم النص وتحديد مضمونه عملاً. ولا


(١) عبد الرحمن بن حسن ـ المقامات منشورة في الدرر السنية ج ٩ ص ٢١٥

<<  <   >  >>