الاسم من كمال مسماه, فإذا كان شأن اسمه الذي لا يضر معه شيء في الأرض ولا في السماء فشأن المسمى أعلى وأجل, وتعالى جده أي ارتفعت عظمته وجلت فوق كل عظمة, وعلا شأنه على كل شأن وقهر سلطانه على كل سلطان فتعالى جده أن يكون معه شريك في ملكه وربوبيته أو في الهيته أو في أفعاله أو في صفاته كما قال مؤمن الجن:{وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً} , فكم في هذه الكلمات من تجل لحقائق الأسماء والصفات على قلب العارف بها غير المعطل لحقائقها, وإذا قال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فقد آوى إلى ركنه الشديد واعتصم بحوله وقوته من عدوه الذي يريد أن يقطعه عن ربه ويبعده عن قربه ليكون أسوأ حالا.
"فإذا قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وقف هنيهة يسيرة ينتظر جواب ربه له بقوله: "حمدني عبدي". فإذا قال:{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} , انتظر الجواب بقوله: "اثنى علي عبدي", فإذا قال:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} انتظر جوابه: "يمجدني عبدي", فيا لذة قلبه وقرة عينه وسرور نفسه بقول ربه: عبدي ثلاث مرات فوالله لولا ما على القلوب من دخان الشهوات وغيم النفوس لاستطيرت فرحا وسرورا بقول ربها وفاطرها ومعبودها: "حمدني عبدني وأثنى علي عبدي ومجدني عبدي" , ثم يكون لقلبه مجال من شهود هذه الأسماء الثلاثة التي هي أصول الأسماء الحسنى وهي: الله والرب الرحمن, فشاهد قلبه من ذكر اسم الله تبارك وتعالى إلها معبودا موجودا مخوفا لا يستحق العبادة غيره ولا تنبغي إلا له, قد عنت له الوجوه وخضعت له الموجودات وخشعت له الأصوات {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} , {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} .
وكذلك خلق السموات والأرض وما بينهما وخلق الجن والإنس والطير والوحش والجنة والنار, وكذلك أرسل الرسل وأنزل الكتب وشرع الشرائع وألزم العباد الأمر والنهي وشاهد من ذكر اسمه رب العالمين قيوما. قام بنفسه وقام به كل شيء فهو قائم على كل نفس بخيرها وشرها. قد استوى على عرشه وتفرد بتدبير ملكه.
فالتدبير كله بيديه ومصير الامور كلها إليه, فمراسيم التدبيرات نازلة من