للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[لطيفة قرآنية]

قال تعالى: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} [الكهف:٨٢] هنا في قوله: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ} [الكهف:٨٢] وفي الآيات السابقة (تستطع) ، فحذف حرف التاء.

وقبل معرفة الحكمة من حذفه أقدم بقاعدة عند علماء البيان، يقولون: (إن المبنى والمعنى يشتركان في أداء الوظيفة من اللفظ، فإن زاد المبنى زاد المعنى، والعكس إن قل المبنى قل المعنى) (المبنى) : هي الأحرف، فالأحرف هي اللبنات في الكلمة كالطوبة بالنسبة للجدار، فحرف مع حرف مع حرف يعطيك كلمة.

والكلمة التي لها خمسة أحرف، بخلاف الكلمة التي لها أربعة أحرف، بخلاف الكلمة التي لها حرفان أو ثلاثة.

فمثلاً: صرخ، لو قلنا: اصطرخ فزاد حرف الطاء على الكلمة، قال الله عز وجل: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا} [فاطر:٣٧] لم يقل: يصرخون؛ لأن الاصطراخ أشد من الصراخ، (يصطرخون) : أي: بحمية، بهلع وجزع، فلفظة يصطرخون أقوى من لفظة يصرخون؛ لأنه زاد في كلمة (يصطرخون) حرف الطاء، إذاً: زيادة حرف في الكلمة يزيدها معنى بخلاف نقصانه من الكلمة.

مثلاً: كلمة (استطاع) التي نحن بصددها الآن، قال الله عز وجل في قصة ذي القرنين التي هي بعد قصة موسى والخضر لما بنى السد وجاء يأجوج ومأجوج، قال الله: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} لم يستطيعوا أن يتسلقوه {وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} ولا شك أن إحداث ثقب في سد عريض هائل من الحديد والقطران أصعب من أن تتسلقه، لذلك جعل التاء في (استطاعوا) في النقب؛ لأنه أشد على النفس ويحتاج إلى مجهود، وأما مجرد التسلق فسهل، ولذلك حذفت التاء، فدل على أن التسلق أسهل بكثير جداً من النقب وإحداث ثقب.

ففي الآية الأولى: {سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ} [الكهف:٧٨] أتى (بالتاء) ؛ لأن القضايا الثلاث كانت عسيرة جداً على نفس موسى، ففي كل قضية كان يعترض، فلم يقبلها.

فقال: ذلك الذي شق عليك وعلى نفسك ولم تستطع أن تتحمله أنا سأنبئك بتأويله، فلما حل الخضر رموز القصة ظهر أنها حكمة فعلاً، وظهر أنه لم يفعل ذلك جزافاً، حينئذٍ سهل فهم المواقف كلها على موسى، حينئذٍ قال: {ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} [الكهف:٨٢] أي: أنه سهل ولم يكن شاقاً كما كنت تعترض عليَّ في أول الأمر، فلذلك حذف (التاء) ، وحذف (التاء) هنا دل على ذهاب المشقة والحرج اللذين كانا في نفس موسى: {ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} [الكهف:٨٢] .

نسأل الله عز وجل أن يفقهنا في ديننا، وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.

اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.

اللهم اغفر لنا هزلنا وجدنا، وخطأنا وعمدنا، وكل ذلك عندنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>