للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فمثلاً ما قيل عن وهبِ بن منبهٍ أنه ما وضع جنبَه إلى الأرضِ ثلاثين سنةً، وكان يقول: لئن أرى في بيتي شيطانًا أحب إليَّ من أن أرى في بيتي وسادةً لأنها تدعو إلى النومِ. هذا ولله الحمدُ غيرُ ثابت عنه فهو قولٌ مُمَرَّضٌ (أي منقولٌ بقيل) ولو صح عنه ذلك فإنا لا نقبلُه حتى لو كان وهبُ بنُ منبه من التابعين لأنَّ هذا العملَ خلافُ السنةِ، بل إنَّ رسولَنا –صلى اللهُ عليه وسلم- كان يضعُ جنبَه على الأرضِ وينامُ ويتكئُ على الوسادةِ ويكرهُ أن يكونَ الشيطانُ في بيتِه. وإنك حين تقرأ في بعضِ الكتبِ التي تذكر تكلَّفَ بعضِ السلفِ في العبادةِ تجد منها الكثيرَ من هذه المخالفاتِ ككتابِ "حليةِ الأولياءِ" لأبي نعيمٍ، و"إحياءِ علومِ الدين"ِ للغزاليِّ وغيرِها، مما لا يكون مؤلِّفُه متحريًا صحةَ المتنِ.

وأنتَ يجبُ أن تكونَ بصيرًا بدينِك وأن تقبلَ من الأخبارِ عن السلفِ ما وافقَ السنةَ، وما خالفها فلا تأخذْ به ولا تغبْطهم عليه؛ فإنه بدعٌ ورهبانيةٌ، الإسلامُ منها براء، وإنما انتشرت حينما تقلدَّها المتصوفةُ ودعوا إليها ووضعوا فيها الأحاديثَ المناكيرَ.

وقد نهى –صلى اللهُ عليه وسلم- عن المبالغةِ في العبادةِ بما يشقُّ على النفسِ مما لم يأمرِ اللهُ به، فعن أنسٍ -رضي اللهُ عنه- قال: دخل رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلم- المسجدَ وحبلٌ ممدودٌ بين ساريتين فقال: (ما هذا؟ ، قالوا: لزينبَ تُصلي، فإذا كسلت أو فترت أمسكت به، فقال: حلّوه، ليصلِّ أحدُكم نشاطَه فإذا كسلَ أو فترَ قعد) رواه البخاري ومسلم.

<<  <   >  >>