وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَبِيعُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ عَيْنَ الطَّعَامِ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْعَقْدِ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْبَائِعَ لَوْ أَرَادَ أَنْ يُسْلِمَ إلَيْهِ حِنْطَةً مِنْ مَكَان آخَرَ لَمْ يَجُزْ، فَلَا يَمْلِكُ بِنَفْسِهِ، فَإِذَا أَمَرَهُ بِأَنْ يَكِيلَهُ فِي غَرَائِرِهِ فَقَدْ أَمَرَهُ بِأَنْ يُوصِلَ مِلْكَهُ بِمِلْكِهِ فَجَازَ أَنْ يَصِيرَ قَابِضًا، دَلِيلُهُ لَوْ اشْتَرَى مِنْهُ فَصًّا وَقَالَ رَكِّبْهُ فِي خَاتَمِي فَفَعَلَ صَارَ قَابِضًا، كَذَلِكَ هَذَا.
وَلِهَذَا الْمَعْنَى قُلْنَا أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى حِنْطَةً فَطَحَنَهَا الْبَائِعُ بِأَمْرِ الْمُشْتَرِي صَارَ قَابِضًا، وَلَوْ أَسْلَمَ فِي حِنْطَةٍ فَطَحَنَهَا الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّ السَّلَمِ لَمْ يَصِرْ قَابِضًا.
فَإِنْ قِيلَ لَوْ دَفَعَ دَرَاهِمَ نَقِرَةً إلَى صَائِغٍ وَقَالَ: زِدْ مِنْ عِنْدِك دِرْهَمًا آخَرَ وَاصْنَعْ لِي خَاتَمًا فَفَعَلَ صَارَ قَابِضًا، وَمَعَ ذَلِكَ فَالصَّائِغُ قَدْ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ وَانْفَرَدَ بِتَمْلِيكِهِ إيَّاهُ.
قُلْنَا: إنَّهُ إذَا قَالَ: " زِدْ مِنْ عِنْدِك دِرْهَمًا فَقَدْ أَمَرَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِتَمَلُّكِهِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالتَّمْلِيكِ فَلَا يَصِحُّ، كَمَا لَوْ قَالَ بِعْ عَبْدَك مِنِّي فَبَاعَهُ مِنْهُ وَجَارِيَةً لَمْ يَجُزْ، كَذَلِكَ هَذَا، فَإِذَا بَطَلَ مَرَّةً صَارَ كَأَنْ لَمْ يَأْمُرْهُ، وَاخْتَلَطَ مِلْكُهُ بِمِلْكِهِ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَزِمَهُ ضَمَانُهُ وَصَارَ الدَّرَاهِمُ مِلْكًا لَهُ كَذَلِكَ هَذَا، وَفِي مَسْأَلَتِنَا بَطَلَ أَمْرُهُ بِالْكَيْلِ وَعَزْلِهِ وَكَلَامِهِ، فَصَارَ كَأَنَّ غَيْرَهُ كَالَ حِنْطَتَهُ فِي غَرَائِرِهِ فَلَا يَصِيرُ قَابِضًا، كَذَلِكَ هَذَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute