وتحير في أداء جوابه، فقال له الملك: ما ظهر لك أيها الحسوب أطالب أم مطلوب، فقال: يا أيها الملك طالع الوجود معدود له سبعون يوماً في كبد السعود فتعجب الملك من هذا الكلام، فقال له المنجم: أما أنا فلا أعد من العمر أياماً غيرها وإن كان من غير العمر فملك طويل ورزق فيه جليل فسلم لله وقال العبد: أسير لمولاه.
وإنما أوردت هذا المثل ليعلم الملك أن أيام الموت على طالع العز المعبر عنه بالاسم الحسن خير من الحياة على ذل. ثم نظر الأسد إلى النمر فقال له ما تقول أنت في هذه البهم والأمر الذي دهم فقال النمر: لا شك أن الأفيال أكبر منا جسوماً وأقوى في الحرب والضرب وقد استعدوا وأقبلوا وأخاف أن يكون لا طاقة لنا بهم ولا مقاومة ولا قدرة على المصادمة، فإن فينا الضعيف والعاجز وصغير الجثة فيطؤنا تحت أقدامهم وتنكسر حرمتنا وشوكتنا من بينهم ولا يقر لنا بعد ذلك قرار معهم وتتأسس العداوة بيننا وبينهم بأجمعهم وقد قيل:
هل للحرائر من صوت إذا وصلت ... أيدي الرعايا إلى الخلجان والخدم
فعندي الرأي المصيب والفكر الثاقب النجيب أن ينتخب الملك للرسالة رجلاً كاملاً خلياً عن الجهالة يؤلف بين الماء والنار والقط والفار يصلح لمخاطبة الملوك سهل العريكة حسن السلوك يسكن من فورهم ويهون من غضبهم يعدهم ويمنيهم ويبشرهم ويهنيهم ويريهم بأسامع الإهانة في قالب مدح وليانة فإن أمكن رجوعهم وإلا طاولناهم على ألسنة رماحهم ثم أخذنا في الأهبة لهم كما