لا تفش سرك إلى خمس طوائف أولها سليم الفطرة وثانيها مدمن الخمرة وثالثها كثير الكلام ورابعها الغلام وخامسها المرأة وهي أشدهم هتكاً للسترة فهؤلاء الخمس ليسوا محل الأسرار ويفشونها من غير اختيار وقد قيل كم إنسان أهلكه اللسان وكم من حرف أدى إلى حتف. فقال الجمل: يا أخي أنا تحققت شفقتك وتيقنت مودتك ونصيحتك وأنت لا تحتاج في تجربتي إلى دليل لأن لي في صحبتك الزمان الطويل وأنا أؤكد لك قولي بالإيمان وأعقد على تلقيه الجنان ولا أتفوه به لحمار ولا حيوان ولا لأنس ولا جان والشخص إذا لم يعرف ما يراد منه فلا فرق بينه وبين الحمار، ثم أنشأ إيماناً غلاظاً أنه يبالغ فيما يسمعه من الدب احتفاظاً ولا يبدي منه لاماً ولا فاءً ولا ظاءً فلما وقف الدب على جوابه وربطه بزمام يمينه اختل به تعرف أنه ملك في غاية العفة والدين وعلى درجة العباد والزاهدين قد فطم نفسه عن الطعوم خصوصاً عن الدماء واللحوم ولكنه في ذلك غير معصوم فإنه قد تزلى بلحم الحيوان وتغذى بافتراس الأقران ورضع الدماء وانقطعت سرته على هذا الغذاء، وتزهده إنما هو تكلف ومصابرة ومكايدة وتعسف ولأن النفس تعمل خاصيتها وتجذب الشهوات إلى ناصيتها وتجمع إلى مركزها وتطمح إلى مبرزها قال الله تعالى:(فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون) وإذا كان كذلك فاحتفظ لنفسك واحفظ نصيحتي وأمسك فإنك في صحبة الأسد على خطر عظيم وأمر جسيم ولا تغفل عن ما قلت لك ولا تظن أنه لا يقتلك. فتداخل الجمل من هذا الكلام الخور ولم يبق له طاقة ولا مصطبر ثم تثبت في أمره وأجال قداح فكره وقال للدب: يا أخي فأي ضرورة دعت الأسد الغشوم حتى تعفف عن أكل اللحوم؟ قال الدب: أنا لا أشك في دينه ولا أرتاب ف حسن يقينه ولكن