للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وبالأموال فانهالت لديه فلم تلك العطية والخلع السنية وقصد باب الحية ليفي بعهده لها وإيمانه القوية ثم وقف وناداها وقدم إليها ذلك كله وأعطاها وشكر لها إحسانها وتحمل جميلها وامتنانها فقالت: أعلم يا لئيم أنه لا ذنب عليك ولا ملام فيما جنيته أو لا من الآثام ولا ما ارتكبته من العداوة والخيانة في العامين الأولين ولا فضل لك في هذه السنة فيما فعلته من الحسنة فإن ذينك العامين كانا مشتملين علي وإن النحسيين فكان مقتضى ما لهما فساد الزمان والوقوع بين الأصدقاء والأخوان فجريت على مقتضاهما حسب مرتضاهما، وفي هذا الأوان قد انصلح الزمان واستقام الطالع وزال الحسد والتقاطع واستقام الطالع بالموافقة والفلاح واقتضى الفلك الصلاح والإصلاح فمشيت على موجبه وتشبثت بذيل مذهبه فخذ هذا المال وتصرف فيه بارك الله فيه فلا حاجة لي إليه ولا معول لي عليه.

وإنما أوردت هذا المثل أيها الجمل لتعلم أن الزمان لتقلبه في الدوران يوقع بين الأصحاب والأخوان ويباين بين الأصدقاء والخلان، والأسد وإن كان زهد وترك من أخلاقه ما كان عهد فيمكن عوده إلى حالته الأولى والاحتراز منه في كل حال أحق وأولى. وهاأنا قد أخبرتك وعلى ما وصل جهدي إليه أطلعتك وفرط محبتي وشفقتي عليك اقتضى إفشاء هذا السر إليك ومن أنذر فقد أعذر ومن تصبر فما قصر، قال الجمل: يا أخي نترك هذا المقام وللبال نريح ونخدم في خدمته ونستريح. قال الدب: إن كان هذا الغادر الزاهد التقي النقي الراكع الساجد الذي تعفف عن أكل اللحوم والدما وقنع بأكل الحشيش وشرب الماء لا تؤمن غائلته ولا تعتمد حائلته فإلى أين نتحول وعلى من يكون المعول وأنى نذهب

<<  <   >  >>