أكرمته بمروءتك فقد وقع على الخبير وصرت له نعم الأهل ونعم النصير، فالتفت الجمل إليه واعتقه وأحسن إليه ولولا حيلة النمس لحل بالرمس. فلما سمع الذكر ذلك وعلم ما هنالك قال: إن هذا الفكر من الصواب قريب وعند أولي البصائر والتجارب مصيب ولكن من يتكفل بوفاء العمر الغدار ومن يصل إلى القصد بالأمان من الليل والنهار وقد قيل:
لئن بادرت عن تسليم روحي ... هواك فعاذلي عن ذا يعوف
وإن أسرعت نحو الوصل عدوا ... فعمري من ورا ظهري يعوق
ثم قال الذكر للأنثى: والرأي السديد عندي والذي أراة وأبدي أن نتوجه إلى حضرة العقاب ونكشف عن وجه مرادنا إليه النقاب ونطلب منه الأمان من نكبات الزمان ونستظل بجناح عاطفته وننتظم في سلك جماعته وخدمته فربما يشملنا بملاطفته فإنه ملك الطيور وبيده أزمة أمور الجمهور وهو وإن كان ملك الجوارح والكواسر وشيمته سفك الدماء والتمزيق بمخالبه النواثر لكنه ملك عالي الهمة ظاهر الشفقة والرحمة لا تقتضي همته العالية إلا الشفقة الشافية والموافاة الوافية خصوصا على من ينشد عليه وينتمي إليه فلا تدعه شميته الأبية وهمته العلية الحمية ومروءته لا تقتضي التعرض لنا بضرر أو يطير لنا منه بشرر. فقالت الأنثى: العجب كل العجب من رأيك المنتخب أنك تخلط منه الغث بالسمين وتسوق إليه الهجان مع الهجين فتارة تصيب حديقة الغرض وتارة يخطئ السهم الغرض فصرت كما قيل:
تلونت حتى لست تدري من العمى ... أريح جنوب هب أم ريح شمال
هذه المصايب التي نشكوها والبلايا التي نقرأ سورها ونتلوها هي بعض ما قاسيناه من أليم العذاب لحظة من مقاسة عسكر