وإن كان فيهم صالح أفسدوه وإلى سبيل الضلال أرشدوه والكلام في هذا المقام الزال يكاد أن يبلغ حد الضلال فيكتفي بالقليل عن الجليل وشمس النهار لا تحتاج إلى دليل فانهض الآن فقد آن التوجه إلى السلطان فما كان زمان يحصل فيه هذا الإمكان فإن الاجتماع به في كل وقت مشكل فتتوكل على الله بأحسن متوكل فإذا دخلت عليه وتمثلت بين يديه فاعرف كيف تقف وانظر يا ذا الكمال ماذا يناسب الحال ويقتضيه المقام من فعل وكمال وكلام فاسلك طريقته وراعي مزاجه وحقيقته وادخل معه من ذلك الباب ومثلك لا يدل على صواب فما أسرع لطف الملوك من العنف وأقرب مباعدهم إذا استعطفوا من العطف وأصحبهم باللطف والأمانة وحدة الفهم والفطانة ويكفيك يا ذا العقل المتين ما قيل في شأن الملوك والسلاطين من شعر:
إن الملوك بلاء أينما حلوا ... فلا يكن لك في أكنافهم ظل
ماذا تؤمل من قوم إذا غضبوا ... جاروا عليك وإن أرضيتهم ملوا
وإن مدحتهم ظنوك تخدعهم ... واستثقلوك كما يستثقل الكل
فاستغن بالله عن أبوابهم كرما ... إن الوقوف على أبوابهم ذل
وقال سيد الأنام طراً جاوره ملكاً أو بحراً فإن رضوا رفعوا فوق الأفلاك وإن غضبوا والعياذ بالله تعالى فهو الهلاك، وأعلم أن هذا الملك له شمائل وصفات وخصائل يستدل بظاهرها على باطنها ويستدل بظهورها على حركات كامنها فإياك أن تغفل عن مراقبها وتهمل مآل عواقبها بل اجعل شواهدها نصب عينيك وتقرب من جنبك بجناحيك فإذا رأيته قد رجع من الاصطياد وقد ظفر منه بالمراد وقد اقتنصه وحصله وملأ منه الحوصلة وسكنت منه بواعث الشره التي هي في صفحات نيران البطش مؤثره حتى نراه جلس