واستمر على ذلك عدة أيام ثم إنه فقد ذلك ولم يجد شيئاً فأخذ الفأس وتوجه إلى الشجرة فلما دنا منها ناداه الشيطان وقال: لم جئت؟ قال: لأقطعك لأنك تعبدين من دون الله قال: ارجع فوالله إن دنوت مني لأقطعن عنقك بفأسك التي معك، أنت تظن أني لا أضر ولا أنفع فقد رأيت مني المنفعة حيث وجدت الذهب تحت الفرش ورأيت مني المضرة حين منعتك إياه وحرمتك منه وأذهبت حب الله معبودك من قلبك بحب الدنيا الفانية وأتلفتك بضياع سرك فإنك لما جئتني أول مرة كنت خالصاً لوجه الله فخشيتك وخفتك وهبتك ولو دمت على حالك الأول ما استطاع أحد ردك، وأما الآن فقد داخلك الهوى وشهوة النفس والأعراض الفاسدة فلا تقدر على نفوذ ما عزمت عليه أصلاً.
وإنما أوردت هذا المثل لتعلم فائدة من أراد وجه الله تعالى وكل عمل دليله الغرض الفاسد فلا يقدر أحد على إمضائه ويعقبه الندامة وكل من شرع فيما لا يعنيه أدى به ذلك إلى ما لا يرضيه، كما جرى لزوجة الحريري مع الإسكافي عشيقها. قال المحتال: كيف كانت تلك الحكاية؟
قال الزكي: ذكروا أنه كان حريري له زوجة تخجل الأقمار في كمالها والشمس قبل زوالها وكان يحبها محبة عظيمة واتفق أنه كان بجواره شاب إسكافي يخجل الغصن بقامته والمسك بشامته وبينه وبين زوجة الحريري ما يكون بين العشاق والخلان، فكان الحريري قد شم روائح ذلك ولغلبة حب المرأة كان يتغافل عن ذلك فرأى يوماً مع الصياد طيراً في شكل حسن، فسأله عن أمره فقال: هذا الطائر مع حسن شكله يخبر صاحب البيت عن أفعال زوجته فاشتراه وأتى به إلى منزله فسألته زوجته عن حال الطير فقال لها: