في شيء لا حاجة له به ولا يصغي لمن يتكلم في شيء من ذلك، قال المحتال: قد طالت المحاورة ولم يبق إلا الشروع في المقصود وتقديم الاستخارة وتعاطي أسباب ذلك. وكانت هذه المحاورات تحت شجرة فيها وكر حمامة وقد سمعت جميع ما جرى بين الزكي والمحتال من المحاورات والمناظرات فافتكرت في نفسها وعلمت أنه سيصير له شأن عظيم فأداها افتكارها أنها تسارع إلى التقرب منهما فربما تنال مقصودها بسببهما إذا ارتفع شأنهما، فإن محاورتهما صادرة عن معرفة ورأي وتدبير فسارعت إليهما ونزلت كما قيل شعر:
هبطت إليك من المقام الأرفع ... ورقاء ذات تعزز وتمنع
ونزلت وابتدأت وقبلت الأرض بين يدي الزكي ووقفت في مقام الخدمة وابتدأت بالتهنئة والسرور والبشارة والحبور وقالت: قد سمعت مناجاة مولانا الملك وحضرة الوزير وكل ما قالاه صادر عن مشكاة السعادة وموافق مراتب السيادة وقد أحببت أن أكون مساعده فإني خل وافي وخادم كافي وصديق مصافي، فاستبشرا بورودها واقتضى رأيهم إرسالها لدعوة الطيور وامتثالهم بذلك وتطيب خواطرهم وتسكين قلوبهم وتنادي أن الزكي قد صار ملك الوحوش والطيور فليدخلوا تحت طاعته ولهم الأمن والرعاية والأمان والحماية وتصحب منهم جماعة كثيرة لنأخذ لهم العهد والميثاق، فأسرعت الحمامة إلى ذلك ورأت من الطيور والوحوش جماعة كثيرة فسلمت عليهم سلام مشتاق فتلقوها بالترحاب