على أن هناك فروقا تفصيلية ما بين المذهب الحنفي ومذهب الشافعي اللذين ينتظمهما القسم الأول، وكذلك ما بين المذهب المالكي والمذهب الحنبلي اللذين ينتظمهما القسم الثاني.
فالمذهب الحنفي ومذهب الشافعي يبيحان جميعا الشرط الذي يقتضيه العقد، ويبيحان كذلك الشرط الذي يلائم العقد، إلا أن المذهب الحنفي يبيحه استثناء على سبيل الاستحسان، ومذهب الشافعي يبيحه أصلا لا استثناء. ثم يتميز المذهب الحنفي على مذهب الشافعي بإفساحه المجال للشرط الذي جرى به التعامل، ويبيحه استحسانا كذلك، فيدخل العرف من هذا الباب عنصرا مرنا يطور الفقه الإسلامي. أما المذهب الشافعي فلا تكاد تلمح فيه باب جريان التعامل مفتوحا. إنما يتحدث المذهب عن شرط تدعو إليه الحاجة فهو شرط لمصلحة العقد، ويمزج بينه وبين الشرط الذي يلائم العقد. ولكن مذهب الشافعي، من جهة أخرى، يصحح شروطا لا يصححها المذهب الحنفي، ومن ذلك اشتراط بائع الرقيق على مشتريه أن يعتقه، ومن ذلك ما يشترط الزوج في زوجته من بكارة أو جمال أو غير ذلك. وما تشترط الزوجة في زوجها من مال أو حرفة أو مورد للعيش.
أما المذهبان المالكي والحنبلي فيصدران جميعا عن مبدأ واحد، هو أن الأصل في الشروط الصحة، والفساد هو الاستثناء، فينبذان بذلك - إلى حد كبير - وحدة الصفقة. وقد يزيد المذهب الحنبلي على المذهب المالكي في تصحيح الشروط، كما أشار إلى ذلك ابن تيمية حين قال:" وأصول أحمد رضي الله عنه المنصوصة يجري أكثرها على هذا القول، ومالك قريب منه، لكن أحمد أكثر تصحيحا للشروط، فليس في الفقهاء الأربعة أكثر تصحيحا للشروط منه ". فيجوز في مذهب أحمد مثلا أن تشترط الزوجة على زوجها ألا يخرجها من بلدها أو دارها، أو لا يتسرى أو ألا يتزوج عليها، فإن لم يف لها بشرطها كان لها أن تفسخ الزواج. وهذه الشروط غير جائزة في مذهب مالك.
ولكن التميز الحقيقي للمذهب الحنبلي على المذهب المالكي ليس في الشروط الصحيحة، وإنما هو الشروط الفاسدة. على أننا أخذنا المذهب الحنبلي كما كان قبل أن يجدد فيه ابن تيمية، لما كاد يتميز عن المذهب المالكي