للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في ذلك. ففي المذهبين يفسد الشرط إذا كان مناقضا لمقتضى العقد، أو كان صفقة أخرى تقابل الصفقة الأصلية كبيع وسلف، فيخل الشرط بالثمن كما يقول المذهب المالكي، أو ينهى عن الشرط نص خاص كما يقول المذهب الحنبلي. وفي هذا النوع من الشرط الفاسد نلمح في المذهبين أثرا لمبدأ وحدة الصفقة، فهما يستبقيان هذا المبدأ في صورة من صوره، بل أن المذهب الحنبلي يزيد على المذهب المالكي بتحريم اجتماع الشرطين في عقد واحد. أما إذا أخذنا المذهب الحنبلي بعد تجديد ابن تيمية، فإننا نراه يتقدم تقدما كبيرا في التطور، فينبذ مبدأ وحدة الصفقة، ويضيق من منطقة الشروط الفاسدة، فلا يكون الشرط فاسدا إلا إذا كان منافيا لمقتضى العقد، أو إلا إذا كان مناقضا للشرع. اهـ

ويمكننا - على ضوء ما تقدم تقسيم الشروط في العقود إلى صحيح وفاسد - أن ننظر هل الشرط الجزائي من الشروط الصحيحة في العقود أم من الفاسدة؟ وفي حال القول بفساده هل ينحصر الفساد فيه أم يتعداه إلى العقد نفسه فيبطل ببطلانه.

لقد ذكر أهل العلم رحمهم الله أن الشروط في العقود قسمان: صحيح وفاسد

أما الصحيح فثلاثة أنواع: أحدها شرط يقتضيه العقد كالتقابض وحلول الثمن، ويظهر أن الشرط الجزائي ليس من هذا النوع لإمكان تحقيق العقد بدونه.

الثاني: شرط من مصلحة العقد كاشتراط صفة في الثمن كالتأجيل أو الرهن أو الضمين به أو صفة في المثمن ككون العبد خصيا أو مسلما والأمة بكرا والدابة هملاجة، وحكمه أنه صحيح وإن المشروط عليه إن وفى بالشرط لزم البيع وإن لم يف به فإن تعذر الوفاء تعين الأرش لصاحب الشرط، وإن لم يتعذر الوفاء به ففيه وجهان، الأول: أن صاحب الشرط مخير بين الفسخ والأرش وهو الصحيح من المذهب، والثاني: أنه ليس له إلا الفسخ.

وعلى هذا يمكن أن يقال: إن الشرط الجزائي من مصلحة العقد؛ لأنه حافز لمن شرط عليه أن ينجز لصاحب الشرط حقه، ومساعد له على الوفاء بشرطه، فكان شبيها باشتراط الرهن والكفيل في الوفاء لصاحب الشرط بشرطه، وإذن يصح الشرط، ويلزم الوفاء به، فإن لم يف وتعذر استدراك ما فات تعين لمن اشترط شرطا جزائيا الأرش، وقد اتفق عليه عند العقد بتراضيهما، وإن لم يتعذر الاستدراك فلصاحب الشرط الخيار بين فسخ العقد والأرش مع بقائه.

الثالث: شرط فيه منفعة معلومة وليس من مقتضى العقد ولا من مصلحته وليس منافيا لمقتضاه كاشتراط البائع سكنى الدار شهرا أو اشتراط المشتري خياطة الثوب، وفي حكمه خلاف، قيل: يصح وقيل: لا يصح، ويظهر أن الشرط الجزائي ليس من هذا النوع من الشروط فهو مرتبط بالعقد حيث إنه تقدير للضرر المتوقع حصوله في حالة عدم الوفاء بالالتزام.

وأما الفاسدة فثلاثة أنواع:

أحدها: أن يشترط أحد طرفي العقد على الطرف الثاني عقدا آخر كبيع أو إجارة أو نحو ذلك فهذا الشرط غير صحيح، وهل يبطل العقد لبطلان الشرط أم يصح العقد ويبطل الشرط، قولان لأهل العلم أشهرها