للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حكم ما خنقه أهل الكتاب عند الحنفية

ذكر الشيخ محمد بيرم الخامس الفقيه الحنفي في كتابه صفوة الاعتبار مبحثا طويلا في ذبائح أهل أوربة ونقل عن علماء مذهبه أن ذبائح أهل الكتاب حلال مطلقا وجاء بتفصيل أنواع المأكول في أوربة ثم قال ما نصه:

" وأما مسألة الخنق فإن كان لمجرد الشك فلا تأثير له كما تقدم، وإن كان لتحقق فلم أر حكم المسألة مصرحا به عندنا، وقياسها على تحقيق تسمية غير الله أنها محرمة عند الحنفية، وأما عند من يرى الحل في مسألة التسمية كما هو مذهب جمع عظيم من الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين، فالقياس عليها يفيد الحلية حيث خصصوا بآية: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} (١) وآية: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} (٢) الآية {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} (٣) وكذلك تكون مخصصة لآية المنخنقة، ويكون حكم الآيتين خاصا بفعل المسلمين، والإباحة عامة في طعام أهل الكتاب إذ لا فرق بين ما أهل لغير الله وما خنق فإذا أبيح الأول فيما يفعله أهل الكتاب كذلك الثاني. وقد كنت رأيت رسالة لأحد أفاضل المالكية نص فيها على الحل وجلب النصوص من مذهبه بما يثلج به الصدر السليم سيما إذا كان عمل الخنق عندهم من قبيل الذكاة كما أخبر كثير من علمائهم وأن المقصود التوصل إلى قتل الحيوان بأسهل قتلة للتوصل إلى أكله بدون فرق بين طاهر ونجس، مستندين في ذلك لقول الإنجيل على زعمهم فلا مرية في الحلية على هاته المذاهب.

فإن قلت كيف يسوغ تقليد الحنفي لغير مذهبه؟ قلت: أما إن كان المقلد من أهل النظر وقلد الحنفي عن ترجيح برهان فهذا ربما يقال: إنه لا يسوغ له ذلك (أي إلا أن يظهر له ترجيح دليل


(١) سورة المائدة الآية ٥
(٢) سورة الأنعام الآية ١٢١
(٣) سورة المائدة الآية ٣