لا: يخلو أي عصر من العصور - مهما كان ما يسير عليه من أنظمة دينية وسياسية واقتصادية، وغيرها من ظواهر اجتماعية: تبرز في محيطه، ويكون لها الأثر القوي في سلوكه، والهيمنة الكاملة في توجيه طاقاته نحو ما يعود عليها بالخدمة، للحفاظ عليها وتنميتها إن كانت ظواهر محمودة، وبإزالتها إن كان يمكن ذلك - أو إيجاد ما قد يحد من خطرها - حين لا يمكن ذلك - إن كانت ظواهر سيئة.
والباحث النابه يكون واجبه تجاه ذلك، ملاحقة تلك الظواهر، والتحدث فيها، والمشاركة في بحثها على النحو الملائم لها، شأنه في ذلك شأن الطبيب الماهر الذي يتتبع الأمراض البدنية ليطبق عليها ما جد في دنيا الطب من علاج، ويعصر ذهنه بالمقارنة والتجربة لما لم يجد له قبل ذلك نظيرا، ويتتبع الظواهر الصحية، فيهديها لمجتمعه، ويعين على تنميتها إلى أرفع مستوى يستطيع الوصول إليه بها.
ومن هذه الظواهر الاجتماعية غير المحمودة، التي برزت في المجتمعات الإسلامية في هذا العصر، الجهل بكثير من أحكام دينها، حتى صار كثير من الناس يسير في أمور دينه على غير هدى، وصار الحصيف فيهم من يسأل العلماء عما يحتاج إليه في ذلك.
ومن هنا برزت قضية الفتوى من العالم للجاهل، علاجا لتلك الظاهرة، أو مواجهة لها بما قد يحد من آثارها على المتصف بها.