للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ج) المقاييس:

كان الأخفش يتشدد في القياس في بعض المسائل كقومه البصريين، ومع هذا فقد كان مكثرا من استعماله مولعا به كما يقول ابن جني (١)، لذلك ألف فيه كتابه "المقاييس" وتزيد في تطبيقه على طائفة كبيرة من مسائل النحو والصرف حتى ظهر في شطر من أقيسته التسمح كالكوفيين، فقد كان يسارع إذا قيل له مثلا: ابن مثل كذا من كذا مما لم تبن العرب مثله إلى تكلف بناء ذلك ويقول: إنما سألتني أن أمثل لك، وكان يبني جميع ما يسأل عنه ويقول: مسألتك ليست بخطأ وتمثيلي عليها صواب فإن أبي صاحبك فقل له: فلو جاء فكيف ينبغي أن يكون؟ فإنه لا يجد بدا من الرجوع إليك.

وبهذا تمادى الأخفش في استعمال القياس حتى جاءت له مواقف فيه تجاوز بها القصد فاصطنع الصيغ وصنعها، وطرد القياس في الباب الواحد وأجاز في كل أفراده ما يجوز لأحدها أو بعضها بالسماع تسمحا، وقاس شيئا على شيء شبيه به شبها بعيدا، كما قاس كالكوفيين على الشاهد الواحد أو القليل النادر، مع أنه كان من الواجب أن يقف تسامحه عند الحدود التي لا يؤذن فيها للقياس بأن تكون علته خفية أو بأن يتجاوز السماع أو يضاده، لأن المراد في الحقيقة من القياس أنه إذا ورد شيء ولم يعلم كيف تكلموا به فإنك تقيسه لا أنك تقيسه مع وجود السماع (٢).

ولعل مرد تشدد الأخفش في القياس النحوي في بعض الأحيان كالبصريين وتسامحه فيه في أحيان أخرى اقتداء بالكوفيين هو إلى انتقاله من البصرة إلى بغداد واتصاله بالكوفيين فيها وتأثره بآرائهم وتسمحاتهم،


(١) انظر ابن جني، المنصف ١٧٦: ١، ١٨٠.
(٢) انظر التصريح ٧٣: ٢.