- يرى ابن خلدون في تفسيره للتاريخ أن التطور سنة من سنن الله في الحياة الاجتماعية، ويقول:" إن أحوال العالم والأمم وعوائدهم ونحلهم لا تدوم على وتيرة واحدة ومنهاج مستقر، إنما هو اختلاف على الأيام والأزمنة، وانتقال من حال إلى حال، وكما يكون ذلك في الأشخاص والأوقات والأمصار، فكذلك يقع في الآفاق والأقطار والأزمنة والدول "(١).
وأهم ما يوجه التطور الاجتماعي والعمراني عند ابن خلدون هو نظريته في العصبية، فهي بمثابة المحور الذي تدور حوله معظم المباحث الاجتماعية والتاريخية عنده، وهو يتخذ من هذه الرابطة موضوعا لدراسة شاملة وعميقة فيتكلم عن مصدر العصبية، ويردها إلى الطبيعة البشرية " لأن صلة الرحم طبيعة في البشر إلا في الأقل، ومن صفتها النعرة على ذوي القربى وأهل الأرحام إن ينالهم ضيم أو تصيبهم هلكة:
ويدخل في هذه العصبية عنده (عصبة الولاء)، والعصبية عنده من خصائص البادية، وهي ما يفسد بحياة الحضر، ولها أثرها الهام في الحياة الاجتماعية؛ لأن بها يتم التغلب، وبالتغلب يحصل الملك، وهكذا تلعب العصبية دورا هاما في تأسيس الملك وتكوين الدولة، فاتساع الدولة يكون مناسبا مع قوة تلك العصبية، ويلاحظ ابن خلدون نوعا من العلاقة بين قوة العصبية
(١) المقدمة: ص ٣٨ طبع المكتبة التجارية، وأيضا: د. علي عبد الواحد وافي: عبد الرحمن بن خلدون ١٦٦.