للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والفرق بين الوجد والذوق:

يرى صاحب منازل السائرين أن الذوق أثبت من الوجد فيبقى أثره في القلب ويطول بقاؤه وأما الوجد فهو عارض يلهب القلب ويقلقه ثم يذهب. ويرى ابن القيم أن الوجد أعلى من الذوق ويدل على ذلك (بأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الوجد فوق الذوق وأعلى منزلة منه فإنه قال: «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان (١)» وقال في الذوق: " ذاق طعم الإيمان " فوجد حلاوة الشيء المذوق أخص من مجرد ذوقه ولما كانت الحلاوة أخص من الطعم قرن بها الوجد الذي هو أخص من مجرد الذوق فقرن الأخص بالأخص والأعم بالأعم) (٢).

ثم توج ذلك ببيان أن ما يدعى من أن الوجد هو مجرد لهيب القلب فيه نظر لأن مادة الوجد في اللغة تدل على الثبوت يقال وجد الشيء وجدا من الوجود الذي هو الثبوت فوجد الشيء يجده وجدانا إذا حصل له وتثبت ويدل على أن مادة الوجد تدل على الثبوت والدوام. . قوله سبحانه: {وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ} (٣) وقوله: {ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} (٤) وقوله: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى} (٥) {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} (٦) {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} (٧) وقوله: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا} (٨)

كما قال أن الذوق يعتمد في حصوله على الوجدان (٩) وبذا يثبت ابن القيم أن الوجد أخص من الذوق وحال الوجد تحصل من حال الذوق لاستلزام الوجد الدوام والثبوت وهذا ما لا يوجد في الذائق.


(١) صحيح البخاري الإيمان (١٦)، صحيح مسلم الإيمان (٤٣)، سنن الترمذي الإيمان (٢٦٢٤)، سنن النسائي الإيمان وشرائعه (٤٩٨٨)، سنن ابن ماجه الفتن (٤٠٣٣)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ١١٤).
(٢) انظر مدارج السالكين (٣/ ٨٩).
(٣) سورة النور الآية ٣٩
(٤) سورة النساء الآية ١١٠
(٥) سورة الضحى الآية ٦
(٦) سورة الضحى الآية ٧
(٧) سورة الضحى الآية ٨
(٨) سورة ص الآية ٤٤
(٩) انظر مدارج السالكين (٣/ ٨٩).