للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

" مذهب الشافعي في طعام أهل الكتاب "

قال الشافعي -رحمه الله تعالى- في كتاب الصيد والذبائح من الأم ما نصه:

(١) أحل الله طعام أهل الكتاب وكان طعامهم عند بعض من حفظت عنه أهل التفسير ذبائحهم. وكانت الآثار تدل على إحلال ذبائحهم فإن كانت ذبائحهم يسمونها بالله تعالى فهي حلال، وإن كان لهم ذبح آخر يسمون عليه غير اسم الله مثل: اسم المسيح، أو يذبحونه باسم دون الله تعالى؛ لم يحل هذا من ذبائحهم. ولا أثبت أن ذبائحهم هكذا.

فإن قال قائل: وكيف زعمت أن ذبائحهم صنفان وقد أبيحت مطلقة.

قيل: قد يباح الشيء مطلقا وإنما يراد بعضه دون بعض فإذا زعم زاعم أن المسلم إذا نسي اسم الله أكلت ذبيحته، وإن تركه استخفافا لم تؤكل ذبيحته وهو لا يدعه للشرك كان من يدعه على الشرك أولى أن تترك ذبيحته- وقد أحل الله -عز وجل- لحوم البدن (الإبل) مطلقة فقال: {فَإِذَا وَجَبَتْ} (١) أي سقطت {جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا} (٢) ووجدنا بعض المسلمين يذهب إلى أنه لا يؤكل من البدنة التي هي نذر ولا جزاء صيد ولا فدية، فلما احتملت هذه الآية ذهبنا إليه وتركنا الجملة لا أنها خلاف للقرآن ولكنها محتملة، ومعقول أن من وجب عليه شيء في ماله لم يكن له أن يأخذ منه شيئا لأنا إذا جعلنا له أن يأخذ منه شيئا فلم نجعل عليه الكل إنما جعلنا عليه البعض الذي أعطى فهكذا ذبائح أهل الكتاب بالدلالة على شبيه ما قلناه، أ. هـ. بحروفه (ص١٩٦ ج٢ من الأم).

أقول: إنه -رحمه الله تعالى- حرم ما ذكروا اسم غير الله عليه بأقيسة على مسائل خلافية جعلها نظيرا للمسألة وقيد بها إطلاق القرآن، ومخالفوه في ذلك كمالك وغيره لا يجيزون تخصيص الآية بمثل هذه الأقيسة التي غاية ما تدل عليه أن تخصيص القرآن جائز بالدليل، ولهم أن يقولوا لنا لا نسلم أن المسلم الذي يترك التسمية تهاونا واستخفافا لا تحل ذبيحته، وإذا سلمناه جدلا تمنع قياس الكتابي عليه فيما ذكره، ولا محل هنا لبيان المنع بالتفصيل في هذا القياس وفيما بعده وهو أبعد منه، والظاهر ما تقدم من نصوص المالكية من أن ما ذبحوه لغير الله إن كانوا لا يأكلونه فهو غير حل للمسلم وإن كانوا


(١) سورة الحج الآية ٣٦
(٢) سورة الحج الآية ٣٦