كان محمد بن مسلمة من شجعان الصحابة كما ذكرنا، حتى لقب بفارس نبي الله، فسخر كل شجاعته في إعلاء كلمة الله مجاهدا تحت لواء الرسول القائد عليه الصلاة والسلام جنديا وقائدا مرءوسا على الفرسان تارة وعلى حرس النبي صلى الله عليه وسلم ومعسكر المسلمين تارة أخرى، وقائدا لسرايا النبي صلى الله عليه وسلم، فقضى على أعدى أعداء المسلمين أفرادا وجماعات، وأثر في أعداء الإسلام ماديا ومعنويا.
وقد أمره النبي صلى الله عليه وسلم على نحو من خمس عشرة سرية من سراياه كما نص على ذلك قسم من المؤرخين، ولكن السرايا التي فصلها المؤرخون ثلاث سرايا فقط، هي التي ورد ذكرها في هذا البحث، ومن دراسة نشاطه جنديا وقائدا مرءوسا تحت لواء النبي صلى الله عليه وسلم، يبدو أنه كان ذا أثر بارز في كل غزوة من غزوات النبي صلى الله عليه وسلم، وفي كل سرية قادها، ولم يكن جنديا عاديا بل كان جنديا متميزا، ولا قائدا عاديا بل قائدا متحفزا فهو من جنود العقيدة الراسخة وقادة العقيدة الراسخة، يوظف كل طاقاته في طبعه الموهوب وعلمه المكتسب وتجربته العملية، لخدمة عقيدته والمؤمنين بها، ولا يدخر وسعا في خدمتهما.
وقد كان يتحلى بالطاعة المطلقة لقادته وأمرائه، والطاعة هي الضبط المتين الذي هو من أهم ما يميز الجندي الجيد على الجندي الرديء والعسكري بصوره عامة على المدني، فكان يحارب الفتنة ومثيريها وأسبابها ومسببيها بكل ما أتي من قوة وعزم.
وقد كان سريع القرار صائبة، وقراره مبني على المعلومات التي يحصلها عن العدو، وقد كان حرصه على جمع المعلومات عن العدو عظيما، وكان دائب النشاط لا يكاد يهدأ فلا ينام ولا ينيم في جمع المعلومات عن العدو التي تعينه على إصدار قرار سريع صائب، كما أن ذكاءه اللامع أعانه على إصدار مثل هذا القرار.
وكان يتحمل المسئولية ولا يتملص منها أو يلقيها على عواتق الآخرين، عارفا