للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٢ - الندب إلى المبادرة والمسابقة في الكتاب والسنة

لئن كانت المبادرة إلى فعل الطاعات وترك المعاصي والمنكرات مما أمر الله به عباده على مر العصور وتعاقب الرسالات، فإن ذلك كان في الإسلام أوضح وآكد، وذلك لما لهذا الدين من ميزات على غيره، إذ هو آخر الأديان وخاتمها وأشملها زمانا ومكانا وأكثرها أتباعا، ولهذا فإنه لما أمر - صلى الله عليه وسلم - أن يجهر بالدعوة - على الرغم من معاداة المجتمع لما جاء به - بادر وانطلق إلى مكان عال مناديا بأعلى صوته: «يا بني عبد مناف إني نذير، إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل رأى العدو، فانطلق يربأ أهله، فخشي أن يسبقوه فعجل يهتف يا صباحاه (١)».

هكذا يصور الرسول - صلى الله عليه وسلم - مبعثه ويبين بأنه نذير وأن الأمر أعجل من أن يتريث الإنسان فيه أو يسوف، بل ما على الإنسان إلا الدخول في هذا الدين دون تراخ، وقد جاءت نصوص كثيرة من القرآن والسنة تدعو إلى المبادرة والإسراع إلى الاستجابة لله ولرسوله، ومن ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} (٢).

وقوله تعالى: {اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ} (٣).

ففي هاتين الآيتين أمر الله سبحانه عباده المؤمنين بسرعة الاستجابة


(١) صحيح مسلم " الإيمان " (١/ ١٩٣).
(٢) سورة الأنفال الآية ٢٤
(٣) سورة الشورى الآية ٤٧