وهكذا يتبين لنا بعد التجوال في ميدان هذا العلم من علوم القرآن الكريم أعني (الناسخ والمنسوخ) أنه علم من آكد العلوم وأوجبها تعلما وحفظا وبحثا وفهما وخاصة لمن أراد أن يخوض غمار تفسير كتاب الله تعالى وأن يغوص في لجته لاستخراج الدرر الثمينة والجواهر النفيسة. بل إنه علم لا يسع كل من تعلق بأدنى علم من علوم الديانة جهله كما قال ذلك مكي بن أبي طالب القيسي رحمه الله تعالى.
وإن مما يدل على عظم شأن هذا العلم وجليل خطره أن الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه عداه شرطا لكون الإنسان عالما. وأن أبا يوسف صاحب أبي حنيفة اعتبره شرطا للإفتاء بل قال: إنه لا يحل لأحد أن يفتي حتى يعرفه.
وتبين لنا من خلال بحثنا أن النسخ في اللغة معناه الإزالة والتغيير تقول (نسخت الشمس الظل) أي أزالته (ونسخت الريح آثار الدار) أي غيرتها كما يأتي بمعنى النقل كقولك (نسخت الكتاب) إذا نقلت ما فيه. وهو بهذا دائر في ثلاثة أوجه هي: النقل، والإزالة مع حلول المزيل محل المزال، والإزالة مع عدم حلول المزيل محل المزال فكأنه بمعنى المحو.
وأنه في الاصطلاح (رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر) كما هو عند جمهور المحققين.
وهنالك تعريفات اصطلاحية أخرى للنسخ أثبتناها في موضعها لا تخرج في جملتها عن مضمون هذا التعريف.