لا يخفى على كل من لديه معرفة بالكتاب والسنة أنهما شملا بيان العقائد والشرائع وجميع ما يحتاج إليه الإنسان في حياته الفردية والاجتماعية، ولكن جدت في الإسلام فتن وأحداث سياسية كبرى ووجدت مذاهب وأفكار اصطبغت بصبغة الدين، كما ظهرت فرق جديدة مثل الخوارج والشيعة والمرجئة وغيرت معالم الدين، واشتدت هذه الفتن ونشطت الفرق الضالة في عصر شيخ الإسلام، وكادت أن تغطي على حقائق الإسلام وصدقه وبهائه، فجاء شيخ الإسلام ليرد إلى الإسلام نضارته، ويدحض الباطل، ويكشف زيغ الفرق الباطلة التي أرادت أن تشوه العقائد الأساسية للإسلام وشريعته السمحاء، وهاجم جميع الفرق والمذاهب المنحرفة عن الكتاب والسنة القائمة في عصره.
واختص الأشعرية من ذلك بالنصيب الأوفر، كما أنه ناقش مناهج الفلاسفة والمتكلمين في بحث الشئون الإلهية ونقدها، وبين أن المناهج التي سلكها هؤلاء وأولئك، كانت بعيدة كل البعد عن الصواب، وأنهم أبعد الناس عن معرفة الأمور الإلهية، وأن أكثر كلامهم فيها خبط وتخليط؛ لأنهم لم يستضيئوا بنور النبوة، فمزجوا الحق الذي أخذوه من الدين بالباطل الذي بنوه على أصولهم الفلسفية الفاسدة، وحاولوا التوفيق بين الدين والفلسفة على حساب الدين، فعمدوا إلى النصوص فأولوها بتأويلات بعيدة ومتكلفة حتى تتلاءم مع قواعدهم الفلسفية.
وهكذا الأشاعرة المتأخرون لجأوا إلى التأويل في الصفات الخبرية كغيرهم من الفلاسفة والمعتزلة، وخلاصة القول عن الفرق الثلاث - أعني الفلاسفة والمعتزلة والأشعرية عند ابن تيمية - أن مناهجهم في العقيدة بعيدة عن الحق؛ لأنهم جميعا سلموا بقضية عامة، وهي أنه إذا تعارض العقل والنقل، وجب تقديم العقل، فحكموا عقولهم في مسائل العقيدة