للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[البراهين على إمكانية البعث]

قدم القرآن العديد من الأدلة والبراهين على إمكانية البعث، ورد حجج المنكرين للمعاد، وفند شبههم التي تتلخص كما يقول ابن القيم في ثلاثة أشياء أحدها: اختلاط أجزائهم بأجزاء الأرض على وجه لا يتميز ولا يحصل معه تمييز شخص عن شخص. الثاني: أن القدرة لا تتعلق بذلك. الثالث: أن ذلك أمر لا فائدة فيه. أو إنما الحكمة اقتضت دوام هذا النوع الإنساني شيئا بعد شيء هكذا أبدا كلما مات جيل خلفه جيل آخر. فأما أن يميت النوع الإنساني كله ثم يحيه بعد ذلك فلا حكمة في ذلك. فجاءت براهين المعاد في القرآن مبنية على ثلاثة أصول: أحدها: تقرير كمال علم الرب سبحانه. وثانيها: تقرير كمال قدرته، وثالثها: تقرير كمال حكمته. ومن بين ما قدمه القرآن من أدلة على إمكانية البعث ما يلي:

١ - كان من أهم شبهات منكري المعاد والبعث استحالة إيجاد الأشياء والكائنات بعد عدمها وفنائها، وقد رد عليهم القرآن وبرهن لهم أن هذا غير مستحيل، إذ أن من موجبات العقل أن إعادة الشيء الذي كان موجودا ثم فني أسهل من إيجاده ابتداء، فالله -سبحانه وتعالي- الذي أوجد الأشياء من العدم وأبرزها إلى الوجود، بعد أن لم تكن شيئا، لا يستحيل عليه أن يعيدها مرة ومرة بعد فنائها، ويلاحظ أن الذي يبني بيتا ثم يهدمه لا يستحيل عليه إعادة بنائه، كما كان أو أفضل مما كان، والذي يخترع اختراعا معينا أو يركب جهازا ما لا يصعب عليه أن يعيده مرة أخرى إذا ما فرق أجزاءه أو كسره باختياره وإرادته. وقد أشار القرآن إلى هذا الدليل في قوله تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} (١) {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} (٢). فاحتج القرآن- كما قال ابن القيم - بالإبداء على الإعادة، وبالنشأة الأولى على النشأة الأخرى، إذ كل عاقل


(١) سورة يس الآية ٧٨
(٢) سورة يس الآية ٧٩