للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثاني من مسالك الاستدلال (١):

ما روى أبو إسحاق الجوزجاني: حدثنا ابن أبي مريم أنبأنا إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة، عن داود بن حصين، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: «سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المحلل فقال: لا إلا نكاح رغبة لا نكاح دلسة، ولا استهزاء بكتاب الله، ثم يذوق العسيلة».

رواه ابن شاهين في غرائب السنن، والدلسة من التدليس، وهو الكتمان والتغطية للعيوب، والمدالسة المخادعة، يقال: فلان لا يدالسك، أي: لا يخادعك، ولا يخفي عليك الشيء، فكأنه يأتيك في الظلام، والدلس بالتحريك الظلمة، وذلك لأن من قصد التحليل فقد دلس مقصوده الذي يبطل العقد، وكتم النية الرديئة بمنزلة الخادع المدالس الذي يكتم الشر ويظهر الخير، ووجه الاستدلال ظاهر؛ فإن ابن عباس لما سئل عن نكاح المحلل من حيث إنه يحلل المطلقة لزوجها الأول، قال: لا إلا نكاح رغبة. وإسناد هذا الحديث جيد إلا إبراهيم بن إسماعيل فقد اختلف فيه، قال فيه ابن معين: هو صالح. وقال فيه أحمد: هو ثقة من أهل الذمة. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي: هو ضعيف. وقال فيه أبو أحمد بن عدي: هو صالح في باب الرواية، ونكتب حديثه على ضعفه.

واختار ابن تيمية ما قاله فيه ابن عدي حيث قال: والذي قاله ابن عدي عدل من القول فإن في الرجل ضعفا لا محالة، وضعفه إنما هو من جهة الحفظ وعدم الإتقان، لا من جهة التهمة، وله عدة أحاديث بهذا الإسناد. روى منها الترمذي وابن ماجه، ومثل هذا يكتب حديثه للاعتبار به ويعضده حديث مرسل يوافق ما رواه.

قال أبو بكر بن أبي شبية: حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن موسى بن أبي الفرات، عن «عمرو بن دينار أنه سئل عن رجل طلق امرأته، فجاء رجل من أهل القرية بغير علمه ولا علمها فأخرج شيئا من ماله فتزوجها ليحلها له. فقال: لا، ثم ذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن مثل ذلك فقال: لا حتى ينكحها مرتغبا لنفسه، حتى يتزوجها مرتغبا لنفسه»، فإذا فعل ذلك لم تحل له


(١) الفتاوى الكبرى ص١٩٥ وما بعدها ج٣.