للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أدلة الجمهور]

استدل الجمهور رحمهم الله على بطلان نكاح المحلل بالكتاب والسنة والإجماع، وقدم الاستدلال بالسنة على الكتاب، مع أن الشأن عند تساوي هذه الأدلة في الدلالة أن يقدم الكتاب؛ لأن السنة في الأدلة أبين كما قال ذلك العلامة ابن تيمية رضي الله عنه.

وفي طريق الاستدلال على المطلوب مسالك:

المسلك الأول (١):

ما رواه سفيان الثوري، عن ابن قيس الأزدي، عن هذيل بن شرحبيل، عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: «لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الواشمة والموشومة، والواصلة والموصولة، والمحلل والمحلل له، وآكل الربا وموكله (٢)». رواه أحمد والنسائي، وروى الترمذي من هذا الحديث «لعن المحلل والمحلل له (٣)». وقال: حديث حسن صحيح، والعمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعبد الله بن عمر، وهو قول الفقهاء من التابعين.

وقال في وجه الاستدلال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعن المحلل، فعلم أن فعله حرام؛ لأن اللعن لا يكون إلا على معصية، بل لا يكاد يلعن إلا على فعل الكبيرة إذ الصغيرة تقع مكفرة بالحسنات إذا اجتنبت الكبائر - واللعنة هي الإقصاء والإبعاد عن رحمة الله - ولم يستوجب ذلك إلا بكبيرة، فقد روي عن ابن عباس أنه قال: كل ذنب ختم بغضب أو لعنة أو عذاب أو نار فهو كبيرة. رواه عنه ابن أبي طلحة، وهذا دليل على بطلان العقد؛ لأن النكاح المحرم باطل باتفاق الفقهاء، يدل لذلك أنهم حملوا نهيه عليه السلام أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها على التحريم والفساد.

ثم إنه لعن المحلل له فتبين من ذلك أنها لم تحل له بذلك، إذ لو حلت له لكان نكاحه مباحا، فلم يستحق اللعن عليه، فعلم أن الذي فعله المحلل حرام باطل، وإن تزوج المطلق ثلاثا لأجل هذا التحليل فزواجه حرام باطل. ومع أن مجرد تحريم عقد النكاح كاف في بطلانه، ففي خصوص هذا الحديث ما يدل على فساد العقدين؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لعن المحلل له، فلا يخلوا إما أن يكون حل


(١) الفتاوى الكبرى ص ١٥٥ ج ٣ / ط - الكردي سنة ١٣٢٨ هـ.
(٢) صحيح مسلم اللباس والزينة (٢١٢٥)، سنن الترمذي الأدب (٢٧٨٢)، سنن النسائي الطلاق (٣٤١٦)، سنن أبو داود الترجل (٤١٦٩)، سنن ابن ماجه النكاح (١٩٨٩)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٤٤٨)، سنن الدارمي الاستئذان (٢٦٤٧).
(٣) مسند أحمد بن حنبل (١/ ٤٤٨).