أمام صراحة النصوص وثبوتها القطعي كان من الطبيعي أن تتجه المحاولات كليا إلى محاولة إخراج الفائدة البنكية من مفهوم (الربا) الوارد تحريمه بصريح النص، ومع أنه لا يبدو وجود إمكانية لوسيلة أخرى بديلة لهذه الوسيلة، فإن اتجاه المحاولات إليها هو سر فشل هذه المحاولات، توضيح ذلك أن للربا مفهوما أساسيا مشتركا بين الشعوب، وفي مختلف الشرائع والعصور، وهناك بالإضافة إلى هذا المفهوم المشترك مفاهيم خاصة ببعض الشرائع كالإسلام؛ لزيادة الإيضاح أن القاعدة الأساسية في تحديد الحكم الشرعي الإسلامي، اعتبار نصوص القرآن والحديث الصحيح مصادر متكاملة للأحكام، فما ورد من الألفاظ مجملا في نصوص يرجع في تبيينه إلى النصوص الأخرى، وقد وردت نصوص القرآن بكلمة الربا، وهذه اللفظة تتناول - بدون فرصة للمنازعة - المفهوم المشترك لهذه اللفظة؛ إذ هو المفهوم الأساسي، كما تتناول المفاهيم الأخرى التي دلت عليها الأحاديث؛ لزيادة الإيضاح مرة أخرى أن الربا وفق المفهوم الأساسي والمشترك قد استقرت كراهيته في الضمير الإنساني، واعتبر ممارسة غير أخلاقية.
وجاء الإسلام بنصوص الحديث فلم تكتف كالشرائع الأخرى بتحريم الربا بهذا المفهوم الأساسي المشترك، وإنما وسعت من منطقة التحريم، فأدخلت في هذه المنطقة كل ما هو في الحقيقة وبحكم الحكيم الخبير وسيلة وذريعة إلى ارتكاب الربا بالمفهوم الأساسي المشترك، وسدت الطرق الموصلة إليه بحكم الحوادث الواقعية المشاهدة؛ فإذا تخيلنا أن المفهوم الأساسي المشترك منطقة مركزية تحيط بها دائرة، فإن دائرة كبيرة واسعة من وراء هذه الدائرة وردت بها النصوص الثابتة، وتضم شبهة الربا ووسائله وذرائعه، قد يكون من الممكن مهاجمة نقطة في الدائرة