للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٢ - الأسباب المادية والأسباب الروحية:

الأسباب نوعان مادية عادية وروحية. فالمادية العادية هي التي عرف كونها سبب باب التجارب وتكرار نشوء أشياء عن أخرى، فحكم بأنها مسببة عنها عادة بتقدير الله لا بنفسها استقلالا. مثل حرث الأرض وسقيها وزرعها وغرسها طلبا للحبوب والثمار، وكالأدوية من حبوب وشراب ونحوهما لعلاج الأمراض، وليس منها الحلقة المسئول عنها فإنها ليست سببا عاديا، لعدم ثبوت ما يدعى أن بها مادة تصلح لعلاج الروماتزم، والناس في هذه الأسباب ثلاث طوائف، فمنهم من غلا في إثباتها وتأثيرها، فزعم أنها يترتب عليها مسبباتها بطبيعتها استقلالا، وهذا شرك في الربوبية، ومنهم من ألغاها ولم يعتبر لها شأنا في ترتيب مسبباتها عليها أصلا، وهذا مخالف لمقتضى العقل ولأدلة الشرع، ومنهم من اعتبرها أسبابا عادية ينشأ عنها مسبباتها بتقدير من الله، فإذا وجد السبب التام وانتفت الموانع ترتب عليه مسببه بإذن الله وتقديره لا استقلالا، وهذا هو الحق الذي شهدت له الأدلة وعليه أهل السنة والجماعة.

أما الأسباب الروحية فمصدر معرفتها الشرع كالرقى والأذكار الشرعية، واللجوء إلى الله وصدق التوكل عليه، والدعاء لتفريج كربة وشفاء مرض، وغير ذلك من الشدائد. فهذه قد وردت الأدلة باعتبارها أسبابا لجلب نفع ودفع ضر، وليس منها الحلقة المسئول عنها؛ فإنها لم يدل دليل على اعتبارها شرعا، ولا ثبت في مجاري العادات اعتبارها سببا عاديا، وعلى هذا يقال: إن لبسها رجاء الشفاء من مرض نوع من الشرك.

وفيما يلي نقول عن بعض العلماء في ذلك:

قال ابن القيم رحمه الله (١):

ونحن نقول إن هاهنا أمرا آخر نسبة طب الأطباء إليه كنسبة طب الطرقية والعجائز إلى طبهم، وقد اعترف به حذاقهم وأئمتهم فإن ما عندهم من العلم بالطب، منهم من يقول: هو قياس، ومنهم من يقول: هو تجربة، ومنهم من يقول: هو


(١) زاد المعاد جزء ٣ ص١٣٩/ ١٤٣.