والحملة الثانية: أعد لها الإمام إعدادا واسعا. فراسل القبائل ووزع عليها الغنائم مع أمرائه ورسله، وبدأت القبائل تفد عليه تباعا ما عدا قبيلة مريحان، فقد ترددت فسار إليها الإمام فانضمت إليه، وأنفق الإمام على الجيوش حتى باع حلي نسائه وأثاث بيته في شراء آلات الحرب، ثم سار إلى بلاد الحبشة قاصدا مقر الملك، ولما علم الملك بمقصد الإمام غادر " بادقي " إلى بيت أمحره - وهو أصل مملكته ومملكة آبائه وأجداده - وخلف في بادقي البطريق أورعى عثمان - وكان هذا البطريق مسلما من أسرة مسلمة أسره الملك ونصره وبطرقه، وبعد ذلك عاد إلى الإسلام وجاهد في صفوف المسلمين واستشهد فيما بعد.
أما الملك فقد جمع معظم أجناد الحبشة في بيت أمحره، وكذلك جمع البطريق أورعى عثمان جموعا غيره من الكفرة من أهل دواروا، وبالي، وجدب، وعنبا، والماية، وأرعن، والجنز، وقطجار، والداموت، وقدم سبعة من البطارقة كلهم يدعون إلى صد الإمام ومنعه من حرق كنيسة بادقي - وكان في نية الإمام حرقها، وأما الإمام فإنه نظم جيوشه وعقد لكل أمير راية، ورسم له خطه الذي يسير عليه على أن يجتمعوا في " أماجه " وحدث اختلاف بين أمراء وجنود الإمام، بعضهم يدعون إلى العودة إلى بلاد الإسلام وبعضهم يحبذ مواصلة الجهاد، وأخيرا تغلب الرأي الثاني وانطلقت الجيوش الإسلامية إلى بادقي - وفي الطريق هزموا مقدمة الأحباش عند جبل كسم من أرض جان زلق، وفي بادقي كانت الكرة على جيوش المسلمين فاضطروا إلى العودة نحو بلادهم واختلف بطارقة الحبشة هل يقتفون أثر جيش الإمام أم لا، وتخوفوا أن تكون الهزيمة خديعة فانثنوا عن متابعة المسلمين.
وفي عود جيش الإمام يلتقي مع كمائن للأحباش فيهزمها، كما يهزم جيشا كان في طريقه مددا لملك الحبشة - يقول المؤلف كان عدد رجاله ثلاثة آلاف من أهل الماية معهم القسي والنشاشيب المسممة إذا رموا بها أحدا تطاير شعر رأسه من حرارة السم، فلما التقوا بالمسلمين فروا إلى جهة ملكهم وتبعهم المسلمون يقتلون