للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[علم التوحيد والتأليف في قضاياه]

لا نريد أن نؤرخ لهذا العلم وأن نتتبع مراحله وقضاياه، ولكنا نعني هنا بالدرجة الأولى ببيان نقاط تربط بين هذا العلم وبين العوامل السابقة التي أنتجته خلاصة أو جماعا للجدل الذي دار في القرنين الثاني والثالث الهجريين ونكتفي من النقاط بما يلي:

أ - أن وجود هذا العلم ناتج عن العوامل السابقة إنما هو مظهر من مظاهر الاهتمام بالعقيدة الإسلامية فهما واستدلالا ودفاعا ضد الهجمات التي أشرنا إليها سابقا، ويتضح هذا حين نتذكر كيف أن جذور القضايا التي أثارتها الفرق موجودة في القرآن بدعوته إلى النظر والاستدلال، ورده على المشركين ومثيري الشبهات، مع تذكرنا أن الفرق بالغت فأضفت إلى أصول القضايا فروعا نأت بها عن خدمة الأصول غالبا، وحتى المعتزلة الذين هوجم علم الكلام من قبلهم كانوا يتفيون الأصول إلى الحق بمنهج غلب على ظنهم أنه الصواب في خدمة العقيدة وإثبات التوحيد دون لبس أو غموض لكن المعتزلة لما أن خاضوا في علم الكلام تولد عن خوضهم العديد من الشبهات التي أدت بهم وبغيرهم إلى التوقف والحيرة والشك في الاعتقاد.

وإن نظرة إلى تعريف هذا العلم تكفي في تأكيد ما أشرنا إليه، وقد عرف بتعريفات عديدة نذكر منها: تعريف الفارابي (٣٩٩ هـ) والذي يقول فيه: " وصناعة الكلام ملكة يقتدر بها الإنسان على نصرة الآراء والأفعال،. . . التي صرح بها واضع الملة (الرسول) وتزييف كل ما خالفها بالأقاويل " (١).

وتعريف ابن خلدون (٨٠٨) الذي يقول فيه: " هو علم يتضمن الحجاج عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية، والرد على المبتدعة المنحرفين في الاعتقادات عن مذهب السلف وأهل السنة " (٢).


(١) إحصاء العلوم / ١٠٧ تحقيق: د. عثمان أمين (الطبعة الأولى).
(٢) مقدمة ابن خلدون / ٤٢٤ طبعة الشعب القاهرة.