للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٦ - الرد على افتراءات المستشرقين حول أساليب المحدثين في العناية بمتون الأحاديث

لقد سبق أن رأينا إدعاء ألفريد غيوم وصاحبه ماكدونالد أن نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كتابة السنة قد تسبب في إهمال المحدثين للسنة، ومن ثم ضياعها، ولقد اعتمدا في ذلك على حديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورد فيه: «لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه (١)». . .

ومن الغريب في الأمر أن هذين المستشرقين قد تمسكا بحرفية هذا الحديث تمسكا أعمى، وتجاهلا أحاديث أخرى صحيحة، تدل على أن السنة كانت تدون بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد أذن بكتابة حديثه كما جاء في حديث أبي هريرة حيث قال: " ليس أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مني إلا عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب ".

كما تجاهلا أيضا الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود من حديث عبد الله ابن عمرو وفيه: «اكتب فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا الحق (٢)»، والحديث الآخر الصحيح الذي أخرجه الترمذي، وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «اكتبوا لأبي شاة (٣)».

وهذا يدل دلالة واضحة على أن هذين المستشرقين لا يعتمدان إلا الأحاديث التي توافق هواهما وميولهما الشخصية المعادية للإسلام ولسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أما علماء المسلمين فإنهم يرفضون مثل هذا المنهج الواهي عند اعتماد الأحاديث أو ردها، ولقد نظروا في الأحاديث التي تدل على النهي عن كتابة السنة، والأحاديث التي فيها إذن بكتابة السنة، وعلموا أنها جميعا أحاديث


(١) صحيح مسلم الزهد والرقائق (٣٠٠٤)، سنن الدارمي المقدمة (٤٥٠).
(٢) سنن أبو داود العلم (٣٦٤٦)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ١٦٢)، سنن الدارمي المقدمة (٤٨٤).
(٣) أخرجه الترمذي في كتاب العلم، باب الرخصة في كتابة العلم ٤/ ٢٢٨ - ٤٢٩ وقال: الترمذي حديث صحيح (من تحفة الأحوذي).