للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: (١).

وأما التسعير: فمنه ما هو ظلم محرم. ومنه ما هو عدل جائز.

فإذا تضمن ظلم الناس وإكراههم بغير حق على البيع بثمن لا يرضونه، أو منعهم مما أباح الله لهم. فهو حرام. وإذا تضمن العدل بين الناس مثل إكراههم على ما يجب عليهم من المعاوضة بثمن المثل، ومنعهم مما يحرم عليهم من أخذ الزيادة على عوض المثل. فهو جائز، بل واجب.

فأما القسم الأول: فمثل ما روى أنس قال: «غلا السعر على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: يا رسول الله، لو سعرت لنا؟.

فقال: إن الله هو القابض الرازق، الباسط المسعر. وإني لأرجو أن ألقى الله ولا يطالبني أحد بمظلمة ظلمتها إياه في دم ولا مال (٢)» رواه أبو داود والترمذي وصححه.

فإذا كان الناس يبيعون سلعهم على الوجه المعروف من غير ظلم منهم، وقد ارتفع السعر - إما لقلة الشيء وإما لكثرة الخلق - فهذا إلى الله. فإلزام الناس أن يبيعوا بقيمة بعينها: إكراه بغير حق.

وأما الثاني: فمثل أن يمتنع أرباب السلع من بيعها، مع ضرورة الناس إليها إلا بزيادة على القيمة المعروفة، فهنا يجب عليهم بيعها بقيمة المثل. ولا معنى للتسعير إلا إلزامهم بقيمة المثل. والتسعير هاهنا إلزام - بالعدل الذي ألزمهم الله به.

فصل: ومن أقبح الظلم: إيجار الحانوت على الطريق، أو في القرية، بأجرة معينة على أن لا يبيع أحد غيره- فهذا ظلم حرام على المؤجر والمستأجر. وهو نوع من أخذ أموال الناس قهرا، وأكلها بالباطل. وفاعله قد تحجر واسعا. فيخاف عليه أن يحجر الله عنه رحمته. كما حجر على الناس فضله ورزقه.

فصل:

ومن ذلك: أن يلزم الناس أن لا يبيع الطعام أو غيره من الأصناف إلا ناس معروفون فلا تباع تلك السلع إلا لهم، ثم يبيعونها هم بما يريدون. فلو باع غيرهم ذلك منع وعوقب. فهذا من البغي في الأرض والفساد، والظلم الذي يحبس به قطر السماء. وهؤلاء يجب التسعير عليهم، وأن لا


(١) هامش ص ٢٤٤ من الطرق الحكمية
(٢) سنن الترمذي البيوع (١٣١٤)، سنن أبو داود البيوع (٣٤٥١)، سنن ابن ماجه التجارات (٢٢٠٠)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٢٨٦)، سنن الدارمي البيوع (٢٥٤٥).