٣ - كما جعلوا صحة نفي اللفظ دلالة على مجازيته، فالمجاز - عندهم - يعرف بصحة نفيه، أما الحقيقة فلا يصح نفيها، بمعنى أن اللفظ إذا صح نفيه عما أطلق عليه، كان مجازا، ويكون نافيه صادقا في نفس الأمر، فيصبح أن يقال لمن قال:(رعت الماشية الغيث): إنها لم ترع الغيث، وإنما رعت النبات، لأن الغيث لا يرعى، وإنما الذي يرعى النبات، وكذلك يقال لمن قال:(رأيت ليثا يجز الرقاب): إنه ليس بليث، وإنما هو إنسان شجاع.
وهذا القول ساقط من وجوه أهمها:
(أ) إنا لا نعرف من هم الذين يستدل بصحة نفيهم، ليكون معيارا على حقيقة أو مجازية كلام الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، بل وكلام أي أحد، هل هم أهل اللغة وأرباب اللسان؟ وليس أحد نقل عنهم بأنهم قالوا: إن هذا يصح نفيه وهذا لا يصح، أم هم أهل العرف؟ ونحن نعرف جميعا، أن نفي هؤلاء تابع لعرفهم، فلا يصح أن يكون معيارا في الحكم على اللغة، أم هم أهل الاصطلاح؟ وهؤلاء لا يتعدى نفيهم أن يكون اصطلاحا، وقد اتفقوا عليه فيما بينهم، وقد يتفق غيرهم من أهل الاصطلاح على القول بنقيضه، فتسقط بذلك الحجة، وينتفي البرهان. .
(ب) ونحن لو أردنا مناقشة أصحاب القول بالمجاز، الذين وضعوا هذا المعيار وتبنوه، بلغة العقل ومقدمات المنطق، لقلنا: إنكم تقولون: كل مجاز يجوز نفيه، ونحن وأنتم متفقون على أنه لا شيء في القرآن يجوز نفيه ألبتة، لأنه كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. . نتج عن ذلك أن لا شيء من القرآن مجاز، بل ومن قال بأن في