كان حسان ورواة شعره يتناشدون في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم أهاجي حسان في القرشيين حيث كانت تستعرض خواطرهم ذكريات الماضي ومواقفه ومعاركه.
وخشي عمر في خلافته على وحدة العرب أن يمزقها تذكر الثارات وإحياء الضغائن، فنهى الناس عن تناشد ذلك الشعر المثير لدفين الماضي، ومر يوما بحسان وهو في مسجد الرسول ينشد أهاجيه فأخذ بأذنه وقال له: أرغاء كرغاء البعير؟ فقال حسان: دعنا عنك يا عمر والله لتعلم أني كنت أنشد في هذا المسجد من هو خير منك، فقال عمر: صدقت وانطلق.
ووفد على المدينة في خلافة عمر عبد الله بن الزبعري وضرار بن الخطاب وقد كانا من شعراء قريش الذين هجوا رسول الله، فاجتمعا بحسان فقال ابن الزبعري: يا أبا الوليد إن شعرك كان يحتمل في الإسلام ولا يحتمل شعرنا، وقد أحببنا أن نسمعك، فقال حسان: أفتبدآن أم أبدأ؟ قالا: نبدأ نحن فأنشداه أهاجيهما فيه، ففار كالمرجل غضبا، ثم استويا على راحلتيهما يريدان مكة، فخرج حسان حتى دخل على عمر فقص عليه قصتهما، فقال عمر لرسوله، لو لم تدركهما إلا بمكة فارددهما علي، فأدركهما الرسول بالروحاء فردهما، فدعا لهما بحسان، وكان عمر في جماعة من الصحابة، فقال لحسان: أنشدهما مما قلت فيهما، فأنشدهما حتى فرغ، فقال له عمر: أفرغت؟ فقال حسان: نعم، قال عمر: أنشداك في الخلا وأنشدتهما في الملأ، وقال لمن حضر: إني كنت نهيتكم أن تذكروا ما كان بين المسلمين والمشركين من أهاج دفعا للتضاغن، وبث القبيح فيما بينكم فأما إذا أبوا فاكتبوه واحتفظوا به فدونوه، وكان الأنصار يجددونه كلما خافوا عليه البلى.