النسيان ظاهرة بشرية، وسمة أصيلة من مسلك الإنسان، وقد اختلف اللغويون في اشتقاق الإنسان، فمنهم من رأى أن أصل الكلمة هو الأنس، وآخرون منهم رأوا أصلها النسيان، وقديما قال أحد الشعراء:
وما سمي الإنسان إلا لنسيه ... ولا القلب إلا أنه يتقلب
وهذا يؤكد أصالة هذه الصفة في سلوك البشر.
ويرى علماء النفس أن النسيان ضرورة بشرية؛ لأن الذاكرة لها درجة تشبع، ومن رحمة الله بالإنسان أن منحه النسيان ليهمل ما لا يهمه، ويختزنه في عقله الباطن، ويحتفظ في منطقة الشعور بكل ما يهمه من شئون حياته.
والنسيان بهذه الصفة يخرج عن دائرة التكليف، ويتجاوز حدود المسئولية، ويعفي الإنسان مما يحدث منه وهو واقع تحت سلطانه، خاضع بغير قصد لتأثيره.
أما النسيان المقصود، وهو تعبير قد نجد من ظاهره لونا من التناقض، لكنه في حقيقة الأمر لا تناقض فيه، إذ فيه نسيان وفيه قصد، ونعني به الغفلة عن الواجب، وإهمال ما لا ينبغي أن يهمل من حقوق ومسئوليات.