مدينة عظيمة من أعلى المدن ومشاهيرها، جامعة لأشتات الأوصاف الحميدة من طيب التربة وصحة الهواء وعذوبة الماء، وصفاء الجو وصحة الأبدان، وحسن صورة أهلها وحذقهم في العلوم والصناعات حتى قالوا: كل شيء استقصى صناع أصفهان في تحسينها عجز عنها صناع جميع البلدان.
والمدينة العظمى تسمى اليهودية، وذاك أن بختنصر أخذ أسارى بيت المقدس أهل الحرف والصناعات، فلما وصلوا إلى موضع أصفهان وجدوا ماءها وهواءها وتربتها شبيهة ببيت المقدس، فاختاروها للوطن وأقاموا بها وعمروها. وهي مدينة ترابها كحل وحشيشها زعفران وونيم ذبابها عسل.
من عجائبها أمر تفاحها فإنها ما دامت في أصفهان لا يكون لها كثير رائحة، فإذا أخرجت منها فاحت رائحتها حتى لو كانت تفاحة في قفل لا يبقى في القفل أحد إلا يحس برائحتها. وبها نوع من الكمثرى يقال له ملجي، ليس في شيء من البلاد مثله. وإذا وصلوا شجرة الكمثرى بشجرة الخلاف تأتي بثمر لذيذ جدا.
ولصناعها يد باسطة في تدقيق الصناعات، لا ترى خطوطا كخطوط أهل أصفهان ولا تزويقا كتزويقهم، وهكذا صناعهم في كل فن فاقوا جميع الصناع، حتى إن نساجها ينسج خمارا من القطن أربعة أذرع وزنها أربعة مثاقيل. والفخار يعمل كوزا وزنه أربعة مثاقيل يسع ثمانية أرطال ماء، وقس على هذا جميع صناعاتهم.
وأما أرباب العلوم كالفقهاء والأدباء والمنجمين والأطباء، فأكثر من أهل كل مدينة، سيما فحول الشعراء أصحاب الدواوين، فاقوا غيرهم بلطافة الكلام وحسن المعاني وعجيب التشبيه وبديع الاقتراح، مثل رفيع فارسي دبير وكمال زياد وشرف شفروه وعز شفروه وجمال عبد الرزاق وكمال إسماعيل ويمن مكي. فهؤلاء أصحاب الدواوين الكبار لا نظير لهم في غير أصفهان.