انتقلت لغة العرب بعد الإسلام من حال إلى حال، وتبدلت أوضاعها وسماتها من مظهر إلى مظهر، فلبست ثوبا قشيبا نفذت به من الأسماع إلى القلوب، واستطاعت أن تمازج الأفئدة فتؤثر فيها تأثيرا عجيبا. وذلك بفضل ما أفاضه عليها القرآن من طرائق التعبير، وروائع الأسلوب، وإعجاز الصياغة، وبراعة القصد إلى الهدف. حتى صارت تدخل على القلوب والعقول والأحاسيس دخول المأنوس به، المرغوب فيه. . ثم بما اكتسبته من أسلوب الرسول صلوات الله وسلامه عليه، وبيانه الساحر، وحكمه البالغة، وبلاغته المؤثرة، وقدرته الفائقة على الاختراع والتشقيق لضروب الكلام، وتصوير المعاني بأروع الصور، وابتداع الأخيلة التي لم تعرف في كلام العرب، وظلت بعده من الحسنات التي لم ينسج الناس على منوالها، ويدبجوا كلامهم على مثالها، دون أن يقتربوا من حدها.
أجل كانت بلاغة الرسول الكريم مضرب المثل، وموضع الدهش، ومحل الإعجاب من كل من سمعه، وأنصت إلى ألفاظه تقطر رقة، وتفيض عذوبة، وأصغى إلى معانيه تطل منها أروع الحكم، وتنبجس خلالها أصدق الأمثال، حتى لقد عجب من ذلك البليغ المنطيق: «علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- فقال: يا رسول الله، نحن بنو أب واحد، ونراك تكلم وفود العرب بما لا نعرفه، فمن علمك؟
(١) الدكتور حسن جاد عميد كلية اللغة العربية جامعة الأزهر القاهرة