للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التصحيح والتضعيف العقلي]

إذا تأملنا بعض ردود الصحابة ومناقشاتهم، واستدراك بعضهم على بعض فإننا نرتضي القول بأن (الصحابة فسحوا الطريق للعقل، للنظر في الحديث، ولكن هذا النظر لم يكن نظرا عقليا مجردا، بل كان مستندا إلى اعتبار الأصول والأحكام الثابتة بالأدلة القاطعة) (١) وكانوا ينكرون أشد الإنكار على من يرد الحديث دون استناد إلى الأصول والقواعد الثابتة أو لمجرد مخالفته لعقله ورأيه (٢) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (لا يعلم حديث واحد يخالف العقل، أو السمع الصحيح، إلا وهو عند أهل العلم ضعيف، بل موضوع، بل لا يعلم حديث صحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الأمر والنهي أجمع المسلمون على تركه إلا أن يكون له حديث صحيح يدل على أنه منسوخ.

قال: والنصوص الثابتة في الكتاب والسنة لا يعارضها معقول بين قط، ولا يعارضها إلا ما فيه اشتباه واضطراب (٣) إن دور العقل يجب أن يكون في تأصيل القواعد العلمية الصحيحة للنقد والجرح والتعديل، والترجيح والتعليل والحكم على الراوي، وغير ذلك.

فإذا ثبت الحديث بحسب القواعد العلمية، ونقله إلينا العدل الضابط، وليس في سنده أو متنه ما يخالف أصلا ثابتا، فليس لأحد رده لمظنة احتمال الخطأ على راويه، أو لظن مخالفته للعقل (٤).


(١) انظر مقاييس نقد السنة د. مسفر الدميني (ص ٢٦١).
(٢) انظر مقاييس نقد السنة د. مسفر الدميني (ص ٢٦١).
(٣) وانظر للأمثلة على ذلك المصدر نفسه (ص٥٥ - ٦٠)، الإجابة لما استدركته عائشة على الصحابة للزركشي.
(٤) درء تعارص العقل والنقل (١/ ١٢٤، ١٢٦).