للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أولا: الفرق بين حقيقة كل من الخمر والمخدر والمفتر

لا يليق بمن يريد أن يبين الحكم الشرعي في تعاطي شيء من هذه الأنواع الثلاثة أن يتكلم في ذلك إلا بعد أن يعرف من خواصها وآثارها في متعاطيها وفي المجتمع ما يسهل له الرجوع بها إلى نصوص الشريعة عامها وخاصها، وينير له الطريق في الحكم عليها، وإلا كان كمن يقتحم لجة البحر ليسبح فيها وهو لا يحسن السباحة، وكان جريئا على القول على الله بغير علم، وقد نهى سبحانه عن ذلك في عموم قوله: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} (١)

وفيما يلي بيان معانيها وخواصها: -

أ- الخمر: تطلق الخمر على معنى الستر والتغطية، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «خمروا آنيتكم واذكروا اسم الله (٢)» وقوله للصحابة «فيمن وقصته ناقته فمات وهو محرم: لا تخمروا رأسه، ولا تمسوه طيبا؛ فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا (٣)»، ومنه تسمية ما تغطي به المرأة رأسها وتلقيه على نحرها وصدرها خمارا؛ لستره ذلك، قال الله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} (٤) ومنه الكلمة السائدة: " خمري أم عامري " ولذا سمي ما يغيب العقل ويغطيه خمرا في اللغة، مائعا كان أم جامدا؛ لسترها إياه، وحجبه عما كان يدركه من الأمور قبل تناول الخمر.

ويطلق أيضا على النضج والإدراك، ومنه خميرة العجين لما ترك منه حتى يتغير، ومنه تخمرت الفكرة، إذا تمادى الباحث عنها في بحثه حتى أدركها ومحصها وتمكنت من نفسه.

وتطلق أيضا على معنى الخلط والاختلاط، وهو تابع للمعنى الأول والثاني، ومنه " الخمر ما خامر العقل" سميت بذلك لمخامرتها العقل.


(١) سورة الإسراء الآية ٣٦
(٢) صحيح البخاري بدء الخلق (٣٢٨٠)، سنن الترمذي الأطعمة (١٨١٢)، سنن أبو داود الأشربة (٣٧٣١)، سنن ابن ماجه الأشربة (٣٤١٠)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٣٩٥)، موطأ مالك الجامع (١٧٢٧).
(٣) صحيح البخاري الحج (١٨٥١)، صحيح مسلم الحج (١٢٠٦)، سنن الترمذي الحج (٩٥١)، سنن النسائي مناسك الحج (٢٨٥٤)، سنن أبو داود الجنائز (٣٢٣٨)، سنن ابن ماجه المناسك (٣٠٨٤)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٢١٥)، سنن الدارمي المناسك (١٨٥٢).
(٤) سورة النور الآية ٣١