للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المرجحون بين القراءات

كثيرون هم الذين سلكوا هذا المسلك، ولا يعني ترجيحهم عدم الدفاع عن القراءات، بل قد يدافعون أحيانا، ولكنهم لا يطعنون بالقراءات بحال من الأحوال، وأهم المفسرين الذين سنكتفي بذكره هو الإمام القرطبي.

موقفه من القراءات المتواترة:

الإمام القرطبي من المفسرين الذين رجحوا القراءات المتواترة، بعضها على بعض، ويظهر ذلك في بعض الأمثلة والشواهد من تفسيره للآيات، وتعرضه للقراءات فيها؛ ففي قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (١) في هذه الآية استعرض الإمام القرطبي أقوال العلماء في القراءات، وذكر آراءهم، وترجيح كل فريق لما ذهب إليه؛ استنادا إلى ما تحمله من معان عظيمة، تتفق وصفات الله تعالى.

يقول في ذلك: اختلف العلماء؛ أيهما أبلغ (ملك) أو (مالك)، القراءتان مرويتان عن النبي صلى الله عليه وسلم، رواهما أبو بكر وعمر، وذكرهما الترمذي؛ قال أبو عبيد والمبرد (ملك) أعم وأبلغ من (مالك)؛ إذ كل ملك مالك، وليس كل مالك ملكا، ولأن أمر الملك نافذ على المالك في ملكه، حتى لا يتصرف إلا عن تدبير الملك، وقيل (مالك) أبلغ؛ لأنه يكون مالكا للناس وغيرهم، فالمالك أبلغ تصرفا وأعظم؛ إذ إليه إجراء قوانين الشرع، ثم عنده زيادة التملك.

ثم انتقل إلى من اختار القراءة في "مالك "، مبينا دليلهم، وهو أن الله تعالى وصف نفسه بأنه مالك كل شيء بقوله: {رَبِّ الْعَالَمِينَ} (٢) فلا فائدة في


(١) سورة الفاتحة الآية ٤
(٢) سورة الفاتحة الآية ٢